سار سيدنا عمرو بن العاص رضي الله عنه من مصر إلى برقة فصالحه أهلها على الجزية وأن يبيعوا من أبنائهم من أرادوا بيعه ، فلمّا فرغ منها سار إلى طرابلس الغرب فحاصرها شهراً فلم يظفر بها ، وعسكر شرقيها ، فخرج رجلٌ من بني مُدلج يتصيّد في سبعة نفر ، وسلكوا غرب المدينة ، فلما رجعوا أشتد عليهم الحر فأخذوا عل جانب البحر ، ولم يكن السور متصلاً بالبحر ، وكانت سفن الروم في مرساها مقابل بيوتهم ، فرأى المُدلجي وأصحابه مسلكاً بين البحر والبلد فدخلوا فيه وكبّروا ، فلم يكن للروم ملجئاً إلا سفنهم ((ظنوا أن المسلمين دخلوا المدينة)).
وقد نظر سيدنا عمرو المدينة فرأوا بريق السيوف وسمعوا الصياح ، فأقبل بجيشه حتى دخل المدينة فلم يفلت الروم إلا بما خفّ معهم في مراكبهم.
قلت: توفيق الله أسبق من العدة والتقوى خيرٌ من سلاح وحصون الأقوى.
وكان أهل حصن سبرة (وهي مصراتة الآن) قد تحصنوا لما دخل سيدنا عمرو طرابلس وقد أطمأنوا حين كانت طرابلس منيعة عليه ، فبعد فتح طرابلس سيّر سيدنا عمرو جنداً كثيفاً إلى سبرة فصبّحوها وقد فتح أهلها الباب وأخرجوا مواشيهم لتسرح لأنهم لم يكن بلغهم خبر طرابلس (مباغتة) فوقع المسلمون عليهم وأخذوها مكابرةً وغنموا ما فيه وعادوا إلى سيدنا عمرو.
ثم سار سيدنا عمرو إلى برقة وفيها لواتة وهم من البربر وكان سبب مسير البربر إليها وإلى غيرها من الغرب أنهم كانوا بنواحي فلسطين من الشام ، وكان ملكهم جالوت ، فلما قتل سارت البرابر وطلبوا الغرب ، حتى إذا انتهوا إلى لوبية ومراقية ، وهما كورتان من كور مصر الغربية ، تفرقوا فسارت زناتة ومغيلة ، وهما قبيلتان من البربر إلى الغرب فسكنوا الجبال ، وسكنت لواتة أرض برقة ، وتعرف قديما بأنطابلس ، وانتشروا فيها حتى بلغوا السوس ، ونزلت هوارة مدينة لبدة ، ونزلت نفوسة إلى مدينة سبرة وجلا من كان بها من الروم لذلك ، وقام الأفارق ، وهم خدم الروم ، على صلح يؤدونه إلى من غلب على بلادهم . وسار عمرو بن العاص - كما ذكرنا - فصالحه أهلها على ثلاثة عشر ألف دينار يؤدونها جزية ، وشرطوا أن يبيعوا من أرادوا من أولادهم في جزيتهم.
الكامل في التاريخ.