صُحبة الأجداد

تعنى بالتاريخ وتسلط الضوء على أحداثه بشكل سلس بدون تفاصيل عميقة يضيع القارىء بين سطورها

random

آخر الأخبار

random
random
جاري التحميل ...

فتح الأهواز في خلافة عمر بن الخطاب والسوس وتستر ورامهرمز

كانت الأهواز تتاخم حدود البصرة وكان فيها الهرمزان وهو من سادات فارس ، وكان يغير على ما بيد المسلمين فأراد سيدنا عتبة بن غزوان أمير البصرة أن يسير له فاستمد سيدنا سعد بن أبي وقاص أمير الكوفة فأمده،

فوجّه سيدنا عتبة ، سُلمى بن القين وحرملة بن مريطة، وكانا من المهاجرين مع النبي عليه الصلاة والسلام. 

فتح الأهواز في خلافة عمر بن الخطاب  والسوس وتستر ورامهرمز


فتح الأهواز 

وهما من بني العدوية من بني حنظلة فنزلا على حدود ميسان ودستميسان بينهم وبين مناذر،  ودعوا بني العم فخرج إليهم غالب الوائلي وكُليب بن وائل الكُليبي. فواعدوهم أن يثور كل واحد منهم بمنطقة فيفاجئوا الهرمزان (منطقة مناذر وتيرى) وقد استجاب قومهما لذلك.

فلمّا كان موعد اتفاقهم نهد جند البصرة والكوفة والذين أتفقوا معهم وأخذوا المناطق فكسر ذلك قلب الهرمزان  وهزمه الله فقتل منهم المسلمون ما شاؤوا وأصابوا ما شاؤوا . ووقفوا على شاطىء دجيل وعسكروا بحيال سوق الأهواز  وعبر الهرمزان جسر سوق الأهواز وطلب الصلح لمّا رأى أن لا طاقة له . فقبل سيدنا عتبة بالصلح على الأهواز كلها  ومهرجانقذق ما خلا نهر تيرى ومناذر وما غلبوا عليه من سوق الأهواز .

وبينما هم على ذلك الصلح إذ حصل اختلاف على بعض الأرض بين الهرمزان وغالب وكليب وكان الهرمزان مُبطلا على غالب وكليب فنقض الصلح واستعان بالأكراد وكفّ جنده ، وكتب سُلمى إلى عتبة بذلك وكتب عتبة إلى سيدنا عمر بذلك فأمر سيدنا عمر أن يقصده وأمدهم بحُرقوص بن زهير السعدي وكانت له صحبة مع ‏رسول الله ﷺ وأمّره على القتال وعلى ما غلب عليه ، فسار المسلمون إلى جسر سوق الأهواز وعبروه واقتتلوا فانهزم الهرمزان وسار إلى رامهُرمز. 

وفتح حُرقوص سوق الأهواز  وأقام بها واتّسعت له بلادها إلى تُستر ووضع الجزية وأرسل بالأخماس إلى سيدنا عمر.


وفد الأحنف بن قيس 

كان سيدنا عمر يتخوف أن يكون نقض الصلح من الهرموان لظلم وقع على أهل الذمة ، فطلب أن يأتيه وفد فيه عشرة من وجهاء الكوفة فأُرسل له وفداً وكان بينهم الأحنف بن قيس ، فلمّا قدم قال له سيدنا عمر:  إنك عندي لمصدق ، وقد رأيتك رجلاً فأخبرني أن أظلمت الذمة ألِمظلُمة أم غير ذلك؟   فقال الأحنف : لا بل لغير مظلمة  والناس على ما تحب . قال : فنعم ، إذاً انصرفوا إلى رحالكم وانصرفوا وكتب سيدنا عمر إلى سيدنا عتبة يوصيه بعزب الناس عن الظلم والتقوى ويحذره الغدر. 


فتح رامهرمز والسوس وتستر:  ذكر خبر البراء بن مالك  ومجزأة بن ثور

عمل يزدجرد على إثارة أهل فارس وتأيبهم وهو (بمرو) ويذكرهم بالسواد الذي خسروه وغلبة العرب عليهم، فتحرك أهل فارس والأهواز وتعاقدوا وتواثقوا على النصر.

فكتب أمراء الثغور إلى سيدنا سعد بذلك فكتب إلى سيدنا عمر ، فكتب لسعد أن يبعث جنداً كثيفاً إلى الأهواز يقوده النعمان بن مقرن، وكتب إلى أمير البصرة يومئذٍ  سيدنا أبو موسى الأشعري أن يبعث جنداً أيضاً يقوده سهل بن عدي ، وأمير الجندين معاً أبو سبرة بن أبي رهم. 

فتلاقت الجند في رامهرمز وقاتلت الهرمزان فانهزم إلى تستر  وتحصّن بها وتم حصاره بها أشهراً وتزاحفوا في وقعات كثيرة وقَتل حينها سيدنا البراء بن مالك في ذلك الحصار إلى الفتح مائة مبارزة عدا ما قتل دون مبارزة وقتل مثله سيدنا مجزأة بن ثور و سيدنا كعب بن ثور وغيرهم من رجالات الكوفة والبصرة،  وكانت الحرب سجالاً بما يقارب ثمانين زحفاً ، ولمّا كان آخر زحف قال المسلمون : يا براء أقسم على ربك ليهزمهم لنا ، فقال اللهم أهزمهم لنا واستشهدني. فهزموهم حتى اقتحموا عليهم خنادقهم. 

وقد دلهم على مدخل المدينة رجل استأمنه النعمان (فتحة ماء لها) فدخل المسلمون من ذلك الموضع وكبروا في داخل المدينة وكبر الباقون خارجها ففُتحت أبواب تستر وتحصن الهرمزان في قلعة ونزل على حكم سيدنا عمر.

وقد تم مقتل عدد كبير من المسلمين من بينهم سيدنا البراء ومجزأة  وقد لحق سيدنا أبو سبرة بالمنهزمين إلى السوس ونزل عليها ومعه النعمان وأبو موسى .

وقد تم تقسيم الغنائم وتخميسها وذهب وفد من المسلمين إلى سيدنا عمر ومعهم الهرمزان أسيراً.

ولمّا وصلوا المدينة وجدوا سيدنا عمر في المسجد بدون حرس فاستغرب الهرمزان واندهش وقد طلب الماء ليشرب فأتوا له بقدح غليظ فقال لو مت عطشاً ما شربت بهذا.

فأتوا له  بقدح يرضاه بطلب من سيدنا عمر أن لا يجمعوا عليه العطش والخوف.

وقد طلب الماء ليستأمن به فقال القوم لسيدنا عمر قد أمنته فقال سيدنا عمر ما كنت لأنخدع إلا لمسلم .فأسلم الهرمزان. 


نص الحوار بين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب والهرمزان

وجعل الناس يخفضون أصواتهم لئلا ينبهوه، وجعل الهرمزان يقول: وأين حجّابه؟ أين حَرَسه؟ فقالوا: ليس له حجاب ولا حرس، ولا كاتب ولا ديوان. ينام في المسجد في منتهى الأمن، وقد قال له رسول قيصر: حكمت فعدلت فأمنت، فنمت يا عمر.

فقال الهرمزان: ليس له حاجب ولا حارس! ينبغي أن يكون نبيًّا.

فقالوا: لا، بل يعمل عمل الأنبياء.

وكثر الناس فاستيقظ عمر بالجلبة فاستوى جالسًا (ومن هذه اللحظة يبدأ اللقاء التاريخي المهم في أطهر بقعة من بقاع الأرض في بيت من بيوت الله عز وجل، وفي مسجد الرسول على ما كان عليه من البساطة، فيتم اللقاء في هذا المكان بين سيدنا عمر بن الخطاب أمير الدولة الإسلامية الناشئة التي أسقطت عروش فارس والروم وبين الهرمزان أمير الأهواز وأحد أمراء الدولة الفارسية) نظر عمر إلى الهرمزان، فقال: الهرمزان؟ قالوا: نعم.

فتأمله وتأمل ما عليه، ثم قال: أعوذ بالله من النار وأستعين بالله.

ثم قال: الحمد لله الذي أذل بالإسلام هذا وأشياعه، يا معشر المسلمين تمسكوا بهذا الدين، واهتدوا بهدي نبيكم، ولا تبطرنكم الدنيا فإنها غدارة.

فقال له الوفد: هذا ملك الأهواز فكَلِّمْهُ.

فقال: لا، حتى لا يبقى عليه من حليته شيء.

ففعلوا ذلك وألبسوه ثوبًا صفيقًا، فقال عمر: يا هرمزان، كيف رأيت وبال الغدر وعاقبة أمر الله؟ فقال: يا عمر، إنا وإياكم في الجاهلية كان الله قد خلَّى بيننا وبينكم فغلبناكم، إذ لم يكن الله معنا ولا معكم، فلما كان الله معكم غلبتمونا. ولك أن تتأمل في كلام الهرمزان وبُعد نظره، فهو يشعر بل يؤكد أن الله ينصر هذا الجيش.

فقال عمر: إنما غلبتمونا في الجاهلية باجتماعكم وتفرقنا.

ثم قال: ما عذرك وما حجتك في انتقاضك مرة بعد مرة؟ فقال: أخاف أن تقتلني قبل أن أخبرك.

قال: لا تخف ذلك.

فاستسقى الهرمزان ماء فأُتي به في قدح غليظ، فقال: لو مِتُّ عطشًا لم أستطع أن أشرب في هذا. فأتي به في قدح آخر يرضاه.


ليس لهذا اللقاء أهمية عسكرية كبيرة، بل تُظهِر هذه المقابلة بوضوح أخلاق المسلمين في هذا اللقاء، فنحن نرى سيدنا عمر بن الخطاب يصبر على الهرمزان ويأمر له بالماء، وكان بإمكان سيدنا عمر بن الخطاب قتله أو الغدر به، ولكن في مثل هذه المواقف تظهر الرحمة التي تربى عليها المسلمون حتى مع من غدر بهم وقتل منهم، ويظهر ذلك جليًّا في تعامل سيدنا عمر بن الخطاب مع الهرمزان.

فلما أخذه جعلت يده ترعد، وقال: إني أخاف أن أُقْتَلَ وأنا أشرب.

فقال عمر: لا بأس عليك حتى تشربه فَأَكفأه.

فقال عمر: أعيدوه عليه ولا تجمعوا عليه القتل والعطش.

فقال: لا حاجة لي في الماء، إنما أردت أن أستأمن به.

فقال له عمر: إني قاتلك. فقال: إنك أمَّنتني.

قال: كذبت. فقال أنس: صدق يا أمير المؤمنين. فقال عمر: وَيْحَكَ يا أنس! أنا أُؤَمِّنُ من قتل مجزأة والبراء؟! والله لتأتينَّ بمخرج أو لأعاقبنك. قال: قلت له: لا بأس عليك حتى تخبرني.

وقلت: لا بأس عليك حتى تشربه. وقال له من حوله مثل ذلك.

فأقبل على الهرمزان فقال: خدعتني، والله لا أنخدع إلا لمسلم.

فأسلم، ففرض له على ألفين، وأنزله المدينة.

المصدر ابن الأثير رحمه الله. 


وفي هذا الوفد  دار حديث بين سيدنا  الأحنف بن قيس وسيدنا عمر وأذن لهم سيدنا عمر بالأنسياح في طلب فارس تمهيداً لإستئصالهم والخلاص من مناوشاتهم التي تكررت وكان بذلك التهميد لمعركة نهاوند الشهيرة. 



عن الكاتب

صُحبة الأجداد

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

صُحبة الأجداد