صُحبة الأجداد

تعنى بالتاريخ وتسلط الضوء على أحداثه بشكل سلس بدون تفاصيل عميقة يضيع القارىء بين سطورها

random

آخر الأخبار

random
random
جاري التحميل ...

سيدنا عثمان بن عفان تفاصيل كاملة بترتيب سهل للحفظ الحلقة الرابعة من الفتنة إلى الاستشهاد

 الحييّ السخيّ ذو النورين سيدنا عثمان بن عفّان


مقدمة سلسلة عثمان بن عفان الحلقة الرابعة


بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة قسمّناها إلى فصول متعددة سهلة البحث والحفظ عن الخليفة الراشدي رضي الله عنه بنظرة عامة ومختصرة بأسلوب حديث يربط الأحداث ببعضها حتى لا يتشتت القارئ مروراً بنشأته وإسلامه وخلافته وفتوحاته وصولاً إلى آخر حياته  وعملنا على تحقيق أحداث الفتنة وتبيان خيوطها بشكل منتظم كما نحسب. 
فإن أصبنا فمن الله وإن أخطأنا فمن أنفسنا ...

سيدنا عثمان بن عفان تفاصيل كاملة بترتيب سهل للحفظ


من الفتنة إلى الاستشهاد  

1_ باب ضخم وتفاصيل كاملة حول الفتنة

نبدأ بهذه النافذة الضخمة ويجب التركيز فيها جيداً لأن أحداثها مترابطة وكانت لهذه الفتنة تبعات حتى يومنا هذا .

مقدمة 

ثبت في صحيح الإمام البخاري أن سيدنا عمر هو (غلقُ الفتنة) وبمقلته كُسر الباب الذي كان يحجز الفتن ويحول بينها وبين المسلمين  روى البخاري في صحيحه 

(أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، قالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الفِتْنَةِ؟ فَقالَ حُذَيْفَةُ: أَنَا أَحْفَظُ كما قالَ، قالَ: هَاتِ، إنَّكَ لَجَرِيءٌ، قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فِتْنَةُ الرَّجُلِ في أَهْلِهِ ومَالِهِ وجَارِهِ، تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ، والصَّدَقَةُ، والأمْرُ بالمَعروفِ، والنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ، قالَ: ليسَتْ هذِه، ولَكِنِ الَّتي تَمُوجُ كَمَوْجِ البَحْرِ، قالَ: يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، لا بَأْسَ عَلَيْكَ منها، إنَّ بيْنَكَ وبيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا، قالَ: يُفْتَحُ البَابُ أَوْ يُكْسَرُ؟ قالَ: لَا، بَلْ يُكْسَرُ، قالَ: ذَاكَ أَحْرَى أَنْ لا يُغْلَقَ، قُلْنَا: عَلِمَ عُمَرُ البَابَ؟ قالَ: نَعَمْ، كما أنَّ دُونَ غَدٍ اللَّيْلَةَ، إنِّي حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا ليسَ بالأغَالِيطِ، فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَهُ، وأَمَرْنَا مَسْرُوقًا فَسَأَلَهُ فَقالَ: مَنِ البَابُ؟ قالَ: عُمَرُ.)

وكان بعد مقتله أن ثارت بلاد الفرس والروم والترك في بداية عهد سيدنا عثمان وكانت صدمة كبيرة وأحداث نبّأت بتغيرات في المجتمع 

وقد أشار لذلك سيدنا عثمان في بداية خطاباته حينما قال بعد أن أوصى  بالاقتداء والاتباع وأن لا يلتفتوا للدنيا : (إن أمر هذه الأمة صائر إلى الابتداع بعد اجتماع ثلاث فيكم، تكامل النعم وبلوغ أولادكم من السبايا وقراءة الأعراب والأعاجم القرآن)  وهو بذلك يحذر من تغيّر الحال إذ اجتمعت تلك الثلاث

وقد تصدّى سيدنا عثمان للتمرد في أطراف الدولة وأعادهم للطاعة كما أسلفنا بفقرات الفتوحات.

وامتدت الفتوحات لتُضيف بلدان جديدة ومساحات شاسعة وشعوباً جديدة انطوت تحت راية الإسلام فدخلت في بلاد الإسلام أجناساً  وعناصر ومذاهب وأفكار وطبائع وأخلاق مختلفة .

وكان من بين أولئك العديد من الذين ألقوا السلاح صاغرين ويضمرون حقداً وحنقاً ووِترا.

فكانت هناك معالم متعددة ذات اتجاهات متباينة لكنها تجتمع تحت هدف واحد هو تأجيج #الفتن والانقضاض على الإسلام ودولته 

فاتجاه تمثّل باستهداف الخليفة واتجاه ثان توجه إلى القيام والطعن والتأنيب على الولاة في الأمصار  واتجاه ثالث كان قد اعتمد على الانتقاض  من الفرس والروم والترك ليزعزع أركان الدولة  واتجاه رابع يستهدف مبادئ الإسلام وأركانه وتشويهها وحرفها عن مسارها الصحيح

وكان دخول شعوب بأكملها الإسلام في سنوات قليلة جدّاً بعد الفتوحات لم يصاحبه استيعاب عميق لمبادئ الإسلام ولم يتربوا ولم يكونوا بذلك المستوى المطلوب.

فطرأت تغيرات ومستجدات على المجتمع المسلم 

●اختلاط أهالي البلاد المفتوحة وتمازجهم مع الفاتحين والقبائل المهاجرة من جيوش الفتح فمثلاً بالكوفة: إلى جانب قبائل من الشمال توجد قبائل من الجنوب وقبائل من ربيعة إلى جانب قبائل من مُضر وأخرى من الحجاز ونجد وهكذا 

وزيادة على ذلك تمازج شعوب غير عربية من الفرس والروم والبربر والترك ممن دخلوا بالإسلام وصُهروا في بوتقته (ولم تُصهر قلوبهم وأفكارهم )

وفي هذا المجتمع نشأت أجيال :

  1. جيل المُسيّرين (سيأتي تفصيلهم)
  2. جيل السّبي : كان أحد أنسجة المجتمع والذي لم تترقّ نفسه إلى أفق معاني الإسلام الرفيعة وتعلمهم القرآن طمعاً في الجعل الذي جعله لهم الخليفة تشجيعاً _إلا ما رحم ربي_
  3. ● النّشءُ من البطّالين : الذين تفرغوا للجدل والقيل والقال وتلقف الأراجيف والشائعات وتضخيمها ونشرها بين الرعاع وهي تتناول ذاك الوالي أو القائد وربما أمير المؤمنين نفسه ! 
  4. الأعراب ونُزاع القبائل المشردون : كذلك من مكونات المجتمع والذي أثّر  في تحولاته ولعب دوراً في أحداث الفتنة وقد حذّر منهم سيدنا عثمان ومن جيل السبي في أول كبته التي وجهها للعامة


وهؤلاء سهل تحريكهم واللعب بعقولهم 


 

2_ ذكر خبر بداية التشيّع وكيف استغلوا الأوضاع؟ 

و تتمة المتغيرات والمستجدات

كثُر المال وأصبح الرخاء والتوسع  في المعيشة 

فتغالب قطاع كبير من الناس على جمع الأموال وغرس الحدائق وهجر حياة التقشف  والزُهد

وقد أسلفنا بأن المال وفرص العطاء قد تضخمت في خلافة سيدنا عثمان 

وكان رجال من قريش قد اتخذت ضِياعاً (قرى) في الأمصار وكان سيدنا عمر قد حجر عليهم الخروج في البلدان إلا بإذن وأجل فلما تولى سيدنا عثمان وسّع عليهم فتوسعوا (الطبري)  ، وقد نشأ جيل لم يأخذ بنفسه بأدب الإسلام في فهم قيمة الدنيا والمال وطرائق إنفاقها في الوجه الشرعي فأدى بهم إلى التكالب والمكايدة فسقطوا  في الفتنة  وخاضوها مع الخائضين.


وقد نبّه سيدنا عثمان عن هذا المنزلق الخطير في كتبه للعوام (سبق ذكره) فوقع الناس في ما حذرهم منه سيدنا عثمان  وقد أوضح لولاته أن يراعوا ظروف الناس وأن طبقتهم ليست كطبقة الذين دخلوا حديثاً .


فالأعراب الجفاة الذين انساحوا في الأرض مع جيوش الفتح امتلئت أيديهم مال ، والفقراء الذين استغنوا من الديون والأعطيات والهبات وخدموا الأشراف قد شكلوا نسيجاً في المجتمع أسهم بشكل كبير في التغيرات في المجتمع خلال عهد سيدنا عثمان.


●اندماج المرتد ين في المجتمع واستعمالهم

كان من هدي سيدنا أبو بكر وهو الذي قهرهم وحاربهم وبطش بهم أنه لم يستعن بهم بفتوحاته حتى مات وعندما جاء سيدنا عمر سلك سبيل الصدّيق في التضييق عليهم لكنه استعملهم بالحروب ولم يطمعهم بالولاية والقيادة .


وفي خلافة سيدنا عمان رأى أن عامل الزمن قد عفى عن تلك الحركة وأن صلاح بعض المرتد ين كافٍ لأن يندمحوا في المجتمع فاستعملهم استصلاحاً لهم  وفي التاريخ أن طائفة منهم حسُن إسلامهم وصلحت أحوالهم لكن ذلك لا يعنى أن جمهورهم كان كذالك .


ظهور عروق الجاهلية عند بعض الناس 

الذين وجدوا الرياسة عليهم من المهاجرين والأنصار وقريش وسواهم فأنفت نفوسهم منه ووافق ذلك أيام سيدنا عثمان فكانوا يظهرون الطعن في ولاته بالأمصار  ويتجنّون عليهم بالعزل والاستبدال  وينكرون على سيدنا عثمان توليتهم وفشت المقالة في أتباعهم

الطامحون للزعامة والولاية

فبينما كان الجيل الأول يخافون من الإمارة ويهربون منها لعظم الأمانة والمسؤولية نشأ جيل يطمح للزعامة ويسعى إليها ويقاتل عليها 

ومن أمثال هؤلاء محمد بن أبي حذيفة  فقد طلب الولاية من سيدنا عثمان فأنّبه وقال له :لو كنت رضا ثم سألتني العمل لاستعملتك ولكن لستَ هناك (الطبري)  

بل نشأ جيل ممن لا قدم له في الإسلام ولا سابقة فضل 

ينشر الأراجيف ويسعى للفتن ويؤلب على الولاة ويطعن عليهم ويطالب العزل لتخلص إليه الإمارة وتمثل ذلك بتلك الطائفة الذين عُرفوا (بالمُسيّرين) وعندما واجههم سيدنا معاوية بعد ذهابهم للشام واعضاً ومرغباً ومرهباً أفصحوا عما بأنفسهم من طموح الإمارة والسعي إليها ولو كان في ذلك التضحية بمصير الأمّة والبلاد(سيأتي تفصيلات بأخبارهم وذهابهم لكل بلد)

الأهواء وإشعال الفتن وتهييج الرُّعاع:

نتيجة اختلاط الأجناس والأعراق والأفكار والعادات والتقاليد والمذاهب وأوكار المنحرفين الذين أُقيمت عليهم الحدود فضجروا بها والموتورين والحاقدين والمهزومين الذين ألقوا السلاح،  فلجؤوا للمهاجمهة من الداخل بأساليب شتى  وشعارهم الأبرز وصية

 عبدالله بن سبأ اليهودي 


فأخذوا يلقون الأراجيف ويشيعون الأكاذيب على الولاة ثم على أمير المؤمنين عثمان وافتروا عليهم أنهم قصّروا في القيام بأمور الولاية وخانوا الأمانة وظلموا الرعية وتعدّوا الحدود وسرقوا مال الأمّة وحرضوا على الخروج عليهم وقادوا الرعاع في ذلك وزوروا كتباً على ألسنة كبار الصحابة وأمهات المؤمنين ، وهيّجوا جماعات من الجهلة والحمقى والمشردين وأصحاب الهوى  والمطامع حتى انتقلت هذه الأراجيف بين الأمصار وترامت إلى الناس الأخبار الكاذبة والملفقة وعملت فيها الدعاية السبئية  حتى وصلوا للقول بعجز الخليفة وعدم علمه بما يجري والولاة هم الذين يتصرفون ويجب خلعه وقتله! 

بذور الفرق والبدع:

كان أخطرها بِدعة التشيّع  التي تُظهر الحب للآل من بيت النبوة عليهم السلام وتضمر الكيد لأهل الإسلام وتعلن الوفاء للإمام وتبطن الغدر للإسلام وتربصت الدوائر حتى إذا لمعت لها بارقة الأحداث التي ذكرنا أعلاه هبت واثبة إلى مكان القيادة تسوق الناس بعصا الفتنة العمياء

وكان رأسهم ذلك الخبيث عبد الله بن سبأ ابن السوداء من يهود اليمن الذي أحدث(ابتدع) القول بوصية النبي عليه السلام لسيدنا علي بالخلافة من بعده وأحدث(ابتدع) القول برجعة علي بعد موته إلى الدنيا وبرجعة رسول الله ﷺ أيضاً.

وكان في هذه المرحلة مهد الخوارج حتى نما واشتد فيما بعد وهم فرقة لها جذور سابقة وفي مقدمتهم ابن الكوّاء الذي خرج من أهل الكوفة وكوّن مع آخرين جماعة (المُسيّرين) الذين كانوا مساعير الفتنة وتولوا كبرها وذكّوا نارها لعنهم الله أجمعين

هذا ما كان من تغيرات بالمجمل العام

وقد أخبر ‏رسول الله ﷺ بوقوع هذا الحدث ودلّ المسلمين

 على السبيل الذي يتمسكون به وسيأتي تفصيله إن شاء الله 


 

تنويه مهم جداً

قبل أن نبدأ بتفاصيل الأضطرابات،

يجب أن تعلم إن الروايات في كتب التاريخ وكائناً من كان صاحبها يتلزم عليك مراعاة أمور كثيرة حين تأخذ منها

#أبرزها معرفة أسلوب صاحب الكتاب وشروطه حين كتب تاريخه

فمثلاً : الإمام البخاري لديه كتاب تاريخ (اسمه التاريخ الكبير)

ولديه كتاب اسمه الأدب المفرد  وهذه الكتب لم يشترط فيها الصحة ١٠٠% كما اشترطه في صحيح البخاري الذي هو مرجع لأهل السنة .

مثال_آخر الإمام الطبري في تاريخه نقل كل الروايات الرائجة في سوق العِلم الصحيح منها والضعيفة والمتواترة والمنقطعة ...الخ  وأوردها بأسانيدها  فيكون القارئ إذا عرف أن الرجل للذي روى عنه الطبري ثقة فيأخذ بالرواية وإذا لم يكن ثقة يترك الرواية وهكذا



هام جداً أي رواية تاريخية في غير الكتب الستة 

تستطيع أن تأخذ منها الفتوحات والوقائع ووفيات الأعلام وحوادث مشهورة لكن يجب عليك أن تفطن لمسألة

أي كتاب يروي رواية عن طعن بصحابي (لا تأخذ به كائناً من كان صاحبه لأنه يخالف المدح الرباني لذاك الجيل ويخالف المدح النبوي لهم)

 أو يروي عنه قصة معينة  عن صحابي أو حدث بين الصحابة  فعليك أن ترجع لكتب السنة وتنظر هل هذه الرواية توافق نهج الصحابة وثناء ربنا عز وجل عليهم ؟ فإن كانت توافق ذلك النهج فيؤخذ بها  وإن كانت تخالفه فهي مردودة على صاحبها أو على الرجل المروي عنه.

وهذه الآيات يجب أن تكون بين عينيك دائماً فهي السد وهي الحكم بيننا وبين كتب التاريخ


قال الله تعالى في محكم تنزيله: "وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " [سورة التوبة: 100] .


وقال تعالى: "لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ " [سورة التوبة: 117]


 

3_تعريف بأسوأ رجال الفتنة وأشدّهم

أ_ عبد الله بن سبأ 

(سنفرد لها فقرة خاصة) أسفل هذه الفقرة 

ب_حُكيم بن جبلة العبدي:

من قبيلة عبد القيس وأصلهم من عُمان سكن البصرة وكان لصّاً إذا قفلت الجيوش خنس معهم فسعى في أرض فارس فيُغير على أهل الذمة ويتنكر لهم ويفسد في الأرض فشكاه أهل الذمة إلى سيدنا عثمان فكتب سيدنا عثمان إلى عبد الله بن عامر أن احبسه فحبسه(يعني منعه يخرج البصرة)  ولمّا قدم عبد الله بن سبأ البصرة نزل على حُكيم هذا

ج_الأشتر النّخعي : 

مالك بن الحارث النخعي أحد الأبطال وكان شهماً مُطاعاً زعراً لكنه استعمل ذلك لغير وجه الله عز وجل 

وقيل أن سيدنا عمر عندما رآه صعّد فيه النظر ثم قال: إن للمسلمين من هذا يوماً عصيباً.

كان أحد كبار مساعير الفتنة وافترى كثيراً وألّب على الولاة وعلى أمير المؤمنين عثمان وسار إليه بالكتائب لا رحمه الله

ومسيرة مساوئه وأفعالع قبيحة وطويلة وكان رأس بكل فتنة

ح_ابن الكوّاء : 

عبد الله بن أوفى اليشكُري شارك في الفتنة وشغب على الولاة وكان أحد (المُسيّرين_كما سيأتي) وكان من رؤوس الخوارج  فيما بعد

خ_ كُميل بن زياد النّخعي:

من أهل الكوفة ومن السُّعاة في الفتنة وقيل أنه تعاهد مع عُمير بن ضابئ على قتل سيدنا عثمان غِيلةً وسار لفعلته الآثمة فلم ينجح حينها وقُتل زمن الحجاج 

ذ_صعصعة بن صُوحان العبدي:

ممن كان يشغب على الولاة ويطعن على سيدنا عثمان وأحد المُسيَّرين

ر_عُمير بن ضابئ :

ممن أثار الشغب على الولاة وأحد المُسيَّرين وسعى لقتل سيدنا عثمان وكان من أتباع ابن سبأ كما وقتل زمن الحجاج

ز_سُودان بن حُمران السّكُوني

من قبائل مراد اليمنية النازلة من مصر وأحد رؤوس الشرّ ومن قادة الفرق المجرمة التي خرجت من مصر لمحاصرة سيدنا عثمان كما سيأتي

ع_ كِنانة بن بِشر التّجيبي

من أتباع ابن سبأ وأحد قادة الفِرق المصرية وكان ممن تولى جريمة اقتحام دار سيدنا عثمان وشارك في القتل 

غ_ عبد الرحمن بن عُديس :

فارس شاعر نزل من مصر مع جيش الفتح ولم يعرف له امتياز  انفرد به غير اشتراكه بهذه الفتنة . استغله مدبروا الفتنة فولوه قيادة إحدى الفرق التي خرجت من مصر وكان شديداً على أمير المؤمنين الغافقي بن حرب العكّي:

من القبائب اليمنية التي نزلت من مصر وأحد صنائع ابن سبأ وأتباعه وتولى رئاسة الفرق كاملة التي خرجت من مصر كما سيأتي

س_محمد بن أبي حذيفة:

هو ربيب سيدنا عثمان وتربّى في حجره وطلب من سيدنا عثمان الولاية فمنعه منها لأنه ليس بأهل فغضب وذهب إلى مصر ونكر نعمة سيدنا عثمان عليه وكان اليد اليمنى لتنفيذ خطط السبئيين في مصر وكان يطعن على والي مصر وزوّر كتب على لسان سيدنا عثمان وأمهات المؤمنين

ص_ محمد بن أبي بكر الصدّيق

فنقل ابن الأثير أنه  بغزوة ذات الصواري تكلم على سيدنا عثمان

ونقل الطبري أنه أئتمر مع محمد بن أبي حذيفة فكانا يحرضان على سيدنا عثمان وينقمان عليه وشارك بحصاره وقتله

وكان من جملة الذين ساروا لحصر سيدنا عثمان 

وقد تولى زمن سيدنا علي رضي الله عنه ولاية مصر وقُتل بعد معركة في قرى مصر وقد حُرقت جثته بجوف حِمار  


 جدير بالذكر أن 

محمد بن أبي بكر ليس صحابي وتُوفي ‏رسول الله ﷺ وله من العمر ثلاث أشهر

والكثير من الرويات قالت أنه اشترك بالحصار والفتنة ولم يثبت أنه شارك بالقتل وقيل أن سيدنا عثمان قال له كلام عن أبيه سيدنا أبو بكر فذهب ولم يشترك بالقتل

ويبقى شأن الحصار والفتنة عليه وكل نفس بما اكتسبت رهينة .


 من ترجمة الخبيث  عبد الله بن سبأ

من غلاة الزنادقة ، ضالٌّ مُضِل

يهودي من أهل صنعاء ويُعرف ب ابن السوداء نسبة إلى أمه 

أظهر إسلامه في زمن سيدنا عثمان  وتنقل في بلدان المسلمين من قطر إلى آخر محاولاً ضلالهم فابتدأ بالحجاز ثم البصرة فالكوفة ، ثم الشام فلم يقدر على شيء فيها، ثم أتى مصر واستقرّ بها وطابت له أجوائها.

قال برجعة ‏رسول الله ﷺ إلى الدنيا، وهو الذي افترى أن ‏رسول الله ﷺ أوصى بالأمر من بعده لسيدنا علي بن أبي طالب !

وكان يكذب على الله ورسوله ويطعن بسيدنا أبي بكر وسيدنا عمر .

وقد علم سيدنا علي افتراءه وكذبه فكُلِّم فيه فقال : لا يساكنني في بلد  أنا فيه وسيّره إلى المدائن

له أتباع يُقال لهم: السّبئية  كان رأس الشرّ والفتن في عهد سيدنا عثمان 

#تأثر بالنصرانية التي دخلت اليمن فنتج عنده ازدواجية في العقائد   ووجود هذا الضال حقيقة لا تقبل الطعن ولا التشكيك وله ترجمات في كتب التاريخ  كما وله ترجمات عند أسلاف الرا فضة ، أما بعضهم فيُنكر وجوده حتى لا يقولون هو مؤسس دينهم الخبيث

(وأرى وهذا اجتهاد منّي أن كبراء الفرس فقهوا حقيقة الحديث النبوي بأن هلاك كسرى لا يكون كسرى بعده فوجدوا ضالتهم بجمع شتات فارس على هذه الطريقة )


عقائد ابن سبأ 

  • ●أن سيدنا علي بن أبي طالب لم يمت وأنه لا يموت حتى يملك العرب ويسوقهم بعصاه
  • ●يدعوا إلى ولاية أهل البيت وولاية سيدنا علي والبراءة من مخالفيه
  • ●يزعم أن علياً هو الله (تعالى الله عما يصف) وأنه يحيي الموتى
  • ●وهو أول من أحدث القول بالنص على الإمامة والوصية وبإمامة اثني عشر إماماً
  • ●وهو أول من قال بالغلو والحُلول والجزء الإلهي الذي حلّ في سيدنا علي ينتقل بالتناسخ من إمام إلى إمام

وكثير من عقائد الر افضة تعود إلى أصول يهو دية وضعها هذا الخبيث 

فهو الذي جتء بعقيدة الوصي والرجعة والولاية والإمامة والبداء  

وكتاب رجال الكَشّي المعتمد عند الرافضة يثبت هذه العقائد  أنها مأخوذة من اليهود ية.

وقد كان هذا الزند يق من رؤوس الفتنة وليس هو ذلك الخارق إنما تهيأت له الظروف والأجواء كما أسلفنا بالتغيرات التي طرأت في المجتمع.

وقد انطلق من الآية الكريمة(إن الذي فرض عليك القرآن لرادُّك إلى معادٍ) القصص [تفسيرها الصحيح أنها بشارة ربانية بعودة نبيه عليه السلام إلى مكة  فهي معاده أي بلده ] 

وقال للناس عجبت ممن يزعم أن عيسى يرجع ومحمداً لا يرجع !  فتقبل الناس منه وكما أسلفنا  حدثاء بالإسلام واستطاع أن يؤثر فيهم.

وقال لهم أن لكل نبي وصيّ فقد كانوا ألف نبي ولكل منهم وصيّ وكان علي وصيّ محمد‏ ﷺ

ومحمد ‏ ﷺخاتم الأنبياء وعلي خاتم الأوصياء  

وقال لهم من أظلم ممن لا يجيز وصية ‏رسول الله ﷺ ؟ ووثب على وصيّ ‏رسول الله ﷺ وتناول أمر الأمّة؟  وقال لهم أن عثمان أخذها بغير حق  وهذا علي وصيّ ‏رسول الله ﷺ فانهضوا في هذا الأمر فحرّكوه وابدؤوا بالطعن في أمرائكم وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا الناس وادعوهم في هذا الأمر.

فجعل أتباعه يكاتبون أتباعهم بالأمصار  بكتب يضعونها في عيوب مفترية على ولاتهم ويُكاتبهم إخوانهم بمثل ذلك

ويقرأونها على العامة  وأوسعوا الأرض إذاعة وهم يريدون غير ما يظهرون ويتربصون  فجعل يقول الناس  إنا لفي عافية مما ابتُلي به هؤلاء 

وهذه الأسس التي انطلق منها ابن سبأ وكان أعظمها اتهام الصحابة بخيانة الأمانة وأنهم أخفوا وصية ‏رسول الله ﷺ لعلي بها!


 

4_ إخبار ‏رسول الله ﷺ بالفتنة وهديه بالتعامل معها:

كثُرت الأحاديث النبوية الصحيحة التي تخبر عن وقوع الفتنة الكبرى زمن عثمان وتحثّ المسلمين على أن يبايعون ويناصروه لأنه على الهدى وكذلك من بايعه وناصره وأنه سيقضي شهيداً سعيداً ويُقتل مظلوماً.


■رُويَ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((ذكر ‏رسول الله ﷺ فتنةً فقال: يقتل فيها هذا المقنع يومئذٍ مظلوماً فنظرنا فإذا هو عثمان بن عفان)) أخرجه الإمام أحمد والترمذي .


■وروى الإمام أحمد  بإسناد جيد عن أبي هريري أن ‏رسول الله ﷺ قال(إنّكم تلقون بعدي فتنةً واختلافاً أو قال اختلافاً وفتنة - فقال قائل من الناس: فمن لنا يا رسول الله؟ قال: عليكم بالأمين وأصحابه، وهو يشير إلى عثمان بذلك)) وأخرجه الحاكم أيضاً.


■وروى أحمد وابن ماجه وغيرهما عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: ((ذكر ‏رسول الله ﷺ فتنةً فقرّبها وعظّمها، قال: ثم مرّ رجلٌ مقنع في ملحفة فقال: هذا يومئذ على الحقّ. قال فانطلقت مسرعاً – أو محضراً – وأخذت بضبعيه فقلت: هذا يا رسول الله؟ قال: هذا)) يعني عثمان.


■وروى أبو داود الطيالسي بإسنادٍ رجاله ثقات عن عبد الله بن حوالة رضي الله عنه قال: قال ‏رسول الله ﷺ : ((تهجمون على رجلٍ معتجر ببردة من أهل الجنّة يبايع الناس، قال: فهجمنا على عثمان بن عفان معتجراً يبايع الناس))  ايضاً نفس الحديث عند الحاكم.


■وروى الإمام أحمد وغيره عن النعمان بن بشير عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((أرسل ‏رسول الله ﷺإلى عثمان بن عفان فأقبل عليه ‏رسول الله ﷺ، فلما رأينا إقبال ‏رسول الله ﷺ على عثمان أقبلت إحدانا على الأخرى، فكان من آخر كلمةٍ أن ضرب على منكبه وقال: يا عثمان، إنّ الله تعالى عسى أن يلبسـك قميصاً، فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني - ثلاثاً-))  والحديث رواه الترمذي وابن ماجة.


●●●ويتبين من أحاديث ‏رسول الله ﷺ حثّ المسلمين للالفتاف حول سيدنا عثمان  وفضح المنافقين رؤوس الفتنة وأتباعهم  ووصيته لسيدنا عثمان بالصبر وأن يبقى ولا يخلع نفسه حتى يلقى الله عز وجل  وهذا ما صنعه سيدنا عثمان وسيأتي في الفقرات القادمة مواجهته لهم بالحجج والبراهين وكيف وقف معه الصحابة الكرام وأولهم سيدنا علي رضي الله عنهم أجمعين


            

5_  أوكار الفتنة

نبدأ في  الكوفة

بدايةً يجدر الإشارة أن السمة العامة لأمصار الدولة 

في خلا فة  سيدنا عثمان كانت الاستقرار والطمأنينة والرضا والعافية من الفتن وإثارتها والسير بها وإشاعتها والعامة مشغولون

 بالجها د  والفتح وترسيخ قواعد الإسلام وبناء الدولة

وانحصرت الفتن وإشعالها وإذاعتها في ثلاثة أمصار:  ( الكوفة ومصر بصورة كبيرة) ثم البصرة بالدرجة الثانية وهذه الأمصار لا تشكل شيئاً كبيراً من جسم الدولة (عكس ما أدعاه دعاة الفتنة)  لكنها أحدثت شروخاً هائلة.


وناحية أخرى هامة 

مورثي هذه الفتنة لا يوجد فيهم صحابي لا من المهاجرين ولا من الأنصار وليس فيهم قرشي أو مُزني أو جهني أو أو أو ...بل هم من مسلمة الفتوحات وعاماهم النّخع والأزد من القبائل اليمنية والسمّاعين لهم ممن نزلو هذه الأمصار


☆☆كانت الكوفة أول الأمصار وأسبقها في طريق الشر والفتنة (كما روى الطبري عن الإمام الشعبي)

وقد اشتكوا في زمن سيدنا عمر على سيدنا سعد بن أبي وقاص  وأرجفوا بسيدنا الوليد بن عقبة وطردوا سيدنا سعيد بن العاص

☆☆وخلال زمن سيدنا عثمان وقعت أحداث شتى مثل ما يقع في أي دولةكبيرة أو أمّة متعددة الأعراق  وكانت تلك الأحداث تتحرك تحت السطح ورمادها يتّقد  وقامت بها الأيدي الخبيثة والنفوس الماكرة الحاقدة.

☆☆وكما عند الطبري وغيره أن الوليد بن عقبة ولي الكوفة وكان أحب الناس في الناس وأرفقهم بهم  فكان كذلك خمس سنين وليس على داره باب(مفتوحة للجميع وهو والي)

وكان شباب من الكوفة نقبوا على رجل (ابن الحيسُمان الخُزاعي وكاثروه  وخرج عليهم بالسيف فلما رأى كثرتهم استصرخ عليهم فقالوا له إنما هي ضربة ونريحك من روعة هذه الليلة فقتلوه 

فشهد عليهم أبو شُريح وابنه أنهم دخلوا عليه ، فمنع بعضهم بعضاً من الناس، فقتله بعضهم.

فكتب الوليد فيهم إلى سيدنا عثمان فكتب إليه في قتلهم ، فقتلهم على باب القصر في الرّحبة

وغضب أهل هؤلاء الذي قُتلوا قِصاصاً

واضطغنوا على الوالي(الوليد)

 وذات يوم اقتحم ثلاثة منهم دار الوالي وهم(أبو زينب بن عوف وأبو مورع الأسدي وجُندب الأزدي) وذلك ليتلقفوا له تهمة فلم يظفروا بمرادهم وخرجوا يتلاومون أما الوليد فسامحهم وستر عليهم وطوى الأمر عن سيدنا عثمان

.

☆☆ لم يركن هؤلاء المفترين ومشوا في طريق الضلال  وحاولوا تلفيق التهم للوالي حتى وصل بهم الحال للقول أن الوليد يتعكف على شرب الخمر وأذاعوا ذلك على ألسن الناس 

ويروي الطبري أن الوليد أُتي بساحر فأرسل إلى سيدنا ابن مسعزد يسأله عن حدِّه فقال: اقتله

فانطلق الوليد لإقامة الحد عليه فأشاع الموتورين أن ساحر يلعب بالسحر عند الوليد !! واستغل هذا الأمر جُندب الأزدي  وخرج يقول أين هو أين هو حتى وصل إليه وقتله وكانه هو المسؤول عن إقامة الحدود وليس الوالي !

فاجتمع سيدنا ابن مسعود والوليد على حبس جُندب  ، حتى كتب إلى سيدنا عثمان ، فأجابهم (أن استحلفوه بالله ما علم برأيكم فيه ، وإنه لصادق بقوله فيما ظنّ من تعطيل حدّه وعزِّوره وخلّوا سبيله.وتقدم إلى الناس في أن لا يعملوا بالضنون وأن لا يقيموا الحدود دون السلطان ،فإنا نُقيد المخطىء ونؤدّب المصيب)

وهكذا نرى كيف تجرأ جندب هذا على عمل الوالي  وكان يمكن أن يطالبه بإقامة الحد لو تأخر في ذلك !

وغضب لجندب أصحابه فخرجوا إلى المدينة فاستعفوا سيدنا عثمان من الوليد

فقال لهم سيدنا عثمان (تعملون بالضنون وتخطئون في الإسلام وتخرجون بغير إذنٍ،! ارجعوا ، فردّهم)

فلمارجعوا إلى الكوفة لم يبق موتور في نفسه إلا أتاهم فاجتمعوا على رأي وبيّتوه

ثم تغفّلوا الوليد _وكان بابه مفتوحاً كما أسلفنا_ فدخل عليه أثنين منهم فسلا خاتمه ثم خرجا إلى سيدنا عثمان فشهدا عليه ومعهم نفر من أعوانهم.

فبعث إليه سيدنا عثمان ولما قد أمر به سيدنا سعيد بن العاص .

فقال الوليد: يا أمير المؤمنين أنشدُك الله ، فوالله إنهما لخصمان موتوران . فقال : لا يضرّك ذلك. إنما نعمل بما ينتهي إلينا فمن ظَلم فالله وليُّ انتقامه، ومن ظُلِم فالله ولي جزائه(الطبري وابن الأثير)

وقيل في رواية أنهم استغلوا نومه العميق واستلوا خاتمه(تاريخ المدينة ابن شبة)

ولفّق هؤلاء المجرمون على الوليد أنه كان يشرب الخمر وقد شهدوه وهو يقيء الخمر! فأقام سيدنا عثمان عليه الحد لتوفّر الشهود  لا لصحة الواقعة ، فحلف له الوليد وأخبره خبرهم . فقال سيدنا عثمان : نقيم الحدود ويُبوء شاهد الزور بالنار ، فاصبر يا أخي(الطبري)

هكذا قطع سيدنا عثمان دابر الفتنة فعزل الوليد عن الكوفة وولى عليها سيدنا سعيد بن العاص وكان في المدينة فاتجه إلى الكوفة ومعه أولئك الذين قدموا على سيدنا عثمان بشكاية الوليد(الأشتر النخعي وأبو خُشّة الغفاري وجُندب بن عبد الله وأبو مُصعب بن جثامة) الطبري


 

6_ كيف حال الكوفة حين وصل الوالي الجديد  سيدنا سعيد بن العاص؟ 

لمّا وصل سيدنا سعيد الكوفة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال (والله لقد بُعِثتُ إليكم وإني لكارهٌ ، ولكني لم أجد بُداً إذ أُمرت أن أتَّمر. ألا إن الفتنة قد أطلعت خطمها وعينيها، ووالله لأضربن وجهها حتى أقمعها أو تُعييني، وإني لرائد نفسي اليوم ) ونزل

ومن هذا الخطاب يتبين لنا معرفة سيدنا سعيد ببدايات الفتنة وإرهاصاتها التي أخذت تظهر بالكوفة.

ثم أخذ يتعرف على أحوال الكوفة ويستقصي أخبار أهلها ثم كتب تقريراً وجّهه إلى سيدنا عثمان   قال فيه (إن أهل الكوفة قد اضطرب أمرهم وغُلب أهل الشرف منهم والبُيوتات والسابقة والقُدمة، والغالب على تلك البلاد روادف رَدِفت وأعرابٌ لَحِقت، حتى ما يُنظر إلى ذي شرف ولا بلاء من نازلتها ونابتتها)

فكتب إليه سيدنا عثمان( أما بعد ففضّل أهل السابقة والقُدمة ممن فتح الله عليه تلك البلاد وليكن من نزلها بسببهم تبعاً لهم،إلا أن يكونوا تثاقلوا عن الحق وتركوا القيام به وقام به هؤلاء.واحفظ لكلٍّ منزلته، وأعطهم جميعاً بقسطهم من الحق، فإن المعرفة بالناس بها يُصاب العدل)

فعمل سيدنا سعيد بنصيحة أمير المؤمنين فأرسل إلى وجوه الناس من أهل القادسية فقال:

أنتم وجوه من وراءكم والوجه ينبئ عن الجسد فأبلغونا حاجة ذي الحاجة وخَلّة ذي الخَلّة.

وأدخل معهم من يحتمل من اللواحق والروادف وخلص بالقراءِ والمتسمِّتين في سمره.

فكأنما كانت الكوفة يبساً شملته نار  وفشت القالة والإذاعة.

وأوقف سيدنا سعيدٌ سيدنا عثمانَ على حقيقة الأمر بالكوفة واضطراب أمر هؤلاء الفتنانين .

وبقي أهل الشر والانحراف على أخلاقهم الفاسدة ينتهزون الفرص لإثارة الفتن والطعن على الولاة والخليفة 

وكان سيدنا سعيد بن العاص على عادته فمجلسه الخاص لا يغشاه إلا نازلة أهل الكوفة ووجوه أهل الفتوحات والقرّاء والمُتسمّتون  وكان هؤلاء إذا كان خالياً فاما إذا جلس للناس فإنه يدخل عليه كل أحد(الطبري)

وذات يوم جلس سيدنا سعيد للناس فدخل عليه جمع فيهم (الأشتر النخعي وابن ذي الحبكة وجُندب وصعصعه وابن الكواء وكُميل بن زياد وابن ضابئ  وعمرو بن الحمق الخزاعي وعلقمة بن قيس)

وفيهم خُنيس بن حُبيش وابنه عبد الرحمن، وغيرهم.

وكانوا يتحاورون بحضرة الوالي سعيد فقال الغلام (عبد الرحمن قولاً يتمنى فيه للوالي خيراً) فثار عليه القوم وقالوا : تتمنى من سوادنا ؟ فقال أبوه: هو حدثٌ ويتمنى لكم أضعافه. فقالوا لا يتمنى لنا ولا له فأنت أمرته بذلك. فقاموا فصربوهم  حتى غُشي عليهما وسعيد يناشدهم ويأبون 

وسمعت بذلك بني أسد فجاؤوا وأحاطوا بمجلس الوالي ليدافعوا عن رجليهما فتلافى سيدنا سعيد بحكمته  هذه  الفتنة وردّ بني أسد عن الأشتر وجماعته

ولما فاق الرجلان قال لهم سعيد : أبكما حياة ؟ قالا: قتلتنا غاشيتك! قال : لا يغشوني والله أبداً فاحفظا عليّ ألسنتكما ولا تجرِّئا عليّ الناس ففعلا.

لكن الأشتر وأصحابه جلسوا في بيوته وأقبلوا على نشر الشائعات وشتم الوالي والخليفة وأقبل الناس عليهم حتى جاء صلحاء الكوفة سعيداً في أمرهم فقال: هذا عثمان قد نهاني أن أُحرك شيئاً فمن أراد منكم شيئاً فليكتب إلى عثمان.

فكتب أشراف أهل الكوفة وصلحاؤهم إلى سيدنا عثمان في إخراجهم .

فكتب أمير المؤمنين إلى سيدنا سعيد وأهل الكوفة(إذا اجتمع ملؤكم على ذلك فألحقوهم بمعاوية) فسيّرهم إلى سيدنا معاوية بالشام وسُمّوا    بالمُسيّرين


المُسيَّرين هم 

(الأشتر النخعي وكُميل بن زياد النّخعي وجُندب بن زهير الغامدي وجندب بن كعب الأزدي وثابت بن قيس النخعي وعروة بن الجعد البارقي وعمرو بن الحمق الخُزاعي)

وكتب سيدنا عثمان إلى سيدنا معاوية(إن أهل الكوفة قد أخرجوا إليك نفراً قد خُلقوا للفتنة ، فررُعهم وقُم عليهم ، فإن آنست منهم رُشداً فاقبل منهم وإن أعيوك فارددهم عليهم)

روى ذلك الطبري وابن الاثير 



 

7_أخبار المُسيَّرين مع سيدنا معاوية بن أبي سفيان

استقبلهم سيدنا معاوية (والي الشام) وتولاهم برعايته وشملهم بحلمه وتعاهدهم بأدبه وحسن سياسته فهو داهية من دهاة العرب الأربعة رضي الله عنه ، وبذل لهم الترغيب ولوّح بالترهيب وقلّبهم بين الشدّة والرخاء وجعل يتغدى ويتعشى معهم بمكان أقامتهم .


●وقال لهم ذات يوم (إنكم قوم من العرب لكم أسنان وألسنة وقد أدركتم بالإسلام شرفاً وغلبتم الأمم وحويتم مراتبهك ومواريثهم، وقد بلغني أنكم نقمتم قريشاً ، وإن قريشاً لو لم تكن عُدتم أذلة كما كنتم[_هنا لا يقصد التعصب لقريش إنما تُبيان السبق وهم حملة الدين للدنيا_ ] إن أئمتكم لكم إلى اليوم جُنّة ، فلا تشدّوا عن جنتكم ، وإن أئمتكم يصبرون لكم على الجور ويحتملون منكم المؤونة.والله لتنتهن أو ليبتليكم الله عز وجل بمن يسومكم، ثم لا يحمدكم على الصبر، ثم تكونون شركاء لهم فيما جررتم على الرعية في حياتكم وبعد موتكم) 


●فقال صعصعة بن صُوحان(أما ما ذكرت من قريش ، فإنها لم تكن أكثر العرب ولا أمنعها في الجاهلية فتخوّفنا ! وأما ما ذكرت من الجُنّة فإن الجُنّة إذا اختُرقت خُلِص إلينا)  وهنا يقصدون طموحهم للولاية .!


●فقال سيدنا معاوية مخاطباً جماعتهم(عرفتكم ،الآن علمت أن الذي أغراكم علر هذا قلةُ العقول، وأنت خطيب القوم ، ولا أرر لك عقلاً، أأعظُمَ عليك أمر الإسلام وأذكرك به وتذكرني بالجاهلية  وقد وعظتك؟


وتزعم لما يجنّك أنه يُخترق، ولا ينسب ما يخترق إلى الجُنّة! أخزى الله أقواماً أعظموا أمركم ، ورفعوا إلى خليفتكم! افقهوا_ولا أظنكم تفقهون_ أن قريشاً لم تغز في جاهلية ولا إسلام إلا بالله عز وجل لم تكن بأكثر العرب ولا أشدهم ولكنهم كانوا أكرمهم أحساباً وأمحضهم أنساباً وأعظمهم أخطاراً وأكملهم مروءة ولم يتمنعوا في الجاهلية _والناس يأكل بعضهم بعضاً_ إلا بالله الذي لا يُستذل من أعزّ ولا يوضع من رفع ، فبؤهم حرماً آمناً يُتخطف الناس من حولهم)


●ثم قام سيدنا معاوية بتأنيبهم وتوبيخهم ثم بذل لهم النصح وأرشدهم لطريق الحق إن كانوا يريدونه  فقال(وبعد فإن أردتم النجاة فالزموا جماعتكم وليسعنكم ما وسع الدهماء، ولا يبطرنكم الإنعام، فإن البطر لا يعتري الخيار ، أذهبوا حيث شئتم فإني كاتب إلى أمير المؤمنين فيكم)

.

●فكتب إلى سيدنا عثمان (إنه قَدِم عليّ أقوام ليس لهم عقول ولا أديان أثقلهم الإسلام وأضجرهم العدل لا يريدون الله بشيء ولا يتكلمون بحجة ،إنما همهم الفتنة وأموال أهل الذمة، والله مبتليهم ومختبرهم ثم فاضحهم ومخزيهم ، وليسوا بالذين ينكون أحداً إلا مع غيرهم ،فإنه سعيداً ومن قِبَله عنهم، فإنهم ليسوا لأكثر من شغب أو نكير)

فكتب إليه سيدنا عثمان أن يردهم إلى سيدنا سعيد بن العاص بالكوفة فردّهم إليه فلم يكونوا إلا أطلق ألسنة منهم حين رجعوا  فضجّ بهم سيدنا سعيد وكتب إلي سيدنا عثمان بذلك فأمره أن يرسلهم إلى سيدنا عبد الرحمن بن خالد بن الوليد في حمص.


8_فكيف كان خبرهم مع سيدنا عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ؟

أنا_ابن من عجمته العاجمات أنا ابن فاقئ الردّة 

بهذه الكلمات كانت مقدمة استقبال سيدنا عبد الرحمن بن خالد بن الوليد  المُسيّرين والتفاصيل:

كتب سيدنا عثمان بتسييرهم إلى حمص بعد قدومهم من الشام إلى الكوفة،  وقدمَ سيدنا سعيد بن العاص المدينة واستعمل على الكوفة عمرو بن حُريث، وسيدنا القعقاع بن عمرو على الحرب .

فلمّا وصل المُسيّرين #حمص  قبض عليهم سيدنا عبد الرحمن بمثل مخالب أبيه رضي الله عنه وأنزلهم بجزيرة ابن عُم


قال لهم (يا آلة الشيطان لا مرحباً بكم ولا أهلا! قد رج الشيطان محسوراً وأنتم بعد نِشاط! حشر الله عبد الرحمن إن لم يؤدبكم حتى يحسركم يا معشر من لا أدري عرب أم عجم ، لكي لا تقولي لي ما يبلغني أنكم تقولون لمعاوية ، أنا ابن خالد بن الوليد أنا ابن من قد عجمته العاجمات ، أنا ابن فاقئ الردّة ، والله لئن بلغني يا صعصعة ابن ذل أن أحد ممن معي دق أنفك ثم أمصّك ، لأطيرن بك طيّرة بعيدة المهوى)  معنى أمصّك = يا عاض هنَ أبيه أو بظر أمه!


فكانت كلماته كبريق السيف وأقامهم أشهراً كلما ركب أمشاهم فإذا مرّ به صعصعة قال:(يا ابن الخطيئة أعلمت أن من لم يصلحه الخير أصلحه الشر ؟ ما لك لا تقول كما كان يبلغني أنك تقول لسعيد ومعاوية ؟ فيقول ويقولون نتوب إلى الله  أقلنا أقالك الله ! فما زالو به حتى قال تاب الله عليكم)


ثم سرّح الأشتر إلى سيدنا عثمان وقال لهم : ما شئتم إن شئتم فاخرجوا وإن شئتم فأقيموا ، وخرج الأشتر فأتى سيدنا عثمان بالتوبة والندم والنزوع عنه وعن أصحابه


فقال سيدنا عثمان للأشتر  : أحلل حيث شئت فقال مع عبد الرحمن بن خالد وذكر من فضله فقال سيدنا عثمان : ذاك إليكم،  فرجع إلى سيدنا عبد الرحمن


 

9 _ أوكار الفتنة في البصرة

مثلما كان في الكوفة من المفترين كان في البصرة ممن في قلبه ونفسه حبٌ للفتنة ورغبة في الأفتراء والطعن على الولاة .

فقد استشهد سيدنا عمر وعلى البصرة الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري  وأقرّه سيدنا عثمان وكان يسوس الناس بالعدل والرحمة مع الجهاد والفتح وحدث له أنه انتقض الأكراد على الدولة فحثّ أبو موسى على الجهاد لتأديبهم .


وخرج الناس وخرج هو في ثَقَلِه، فرآه بعض أصحاب الهوى والفتنة وتمسكوا بعنان دابته وأردوه على الترجّل مثلهم، فحاورهم حتى قنعهم لكن المفترين ما قبلوا ذلك ، فأغدوا السير إلى المدينة وطلبوا من أمير المؤمنين عزله وقالوا:


(ما كل ما نعلم نحب أن نقوله فأبدلنا به . فقال: من تحبّون؟. قال غيلان بن خرشة: في كل أحدٍ عوضٌ من هذا العبد الذي قد أكل أرضنا،وأحيا أمر الجاهلية فينا، فلا ننفك من أشعري كان يعظّم ملكه عن الأشعريين ، ويستصغر مُلك البصرة! وإذا أمّرت علينا صغيراً كان فيه عوض منه أو مهتراً كان فيه عوض منه،ومن بين ذلك من جميع الناس خير منه) فدعا عبد الله بن عامر فأمّره على البصرة(الطبري).


ولك أن تعرف من افتراء هذا الضال على الصحابي الجليل  الذي تعلّم ونهل من مدرسة ‏رسول الله ﷺ  مستوى ضلال هؤلاء المفترين وحبهم للفتنة والإزراء على الكبار

.

فلمّا تولى سيدنا ابن عامر البصرة سار فيهم على خير سير الولاة عدلاً ورحمةً ورغد عيش وجهاد وفتوحات  واسعة .


لكن أهل الفتن والزيغ بقوا على حالهم وسوء سيرتهم وخبث سريرتهم وإن كانوا أقل حدّة من أهل الكوفة .


تزوّج رجل اسمه(حمران بن أبان) امرأة في عدّتها فنكّل به سيدنا عثمان وفرّق بينهما ونفاه إلى البصرة ،فلزم أميرها عبد الله بن عامر لكنه افترى على التابعي الجليل الزاهد العابد عامر بن عبد قيس ووشى به إلى الأمير _أنه لا يرى لآل إبراهيم صلى الله عليه وسلم عليه فضلاً ولا يشهد الجمعة ولا يرى التزويج ولا يأكل اللحم_ فكشف ابن عامر عن أمره فوجده مكذوباً عليه.


لكن حمران هذا لجّ في افترائه وتتبع عامر بن عبد قيس وسعى به وشهد معه قوم، فسيّره سيدنا عبد الله بن عامر إلى سيدنا معاوية بالشام عن أمر سيدنا عثمان ، وفتّش سيدنا معاوية عن أحوال عامر فوجده من خيار الناس تقوى وعبادة وزُهد فطلب إليه أن يرجع إلى البصرة فقال عامر: لا أرجع إلى بلد أستحل أهلها مني ما استحلّوه ، ولكني أقيم بهذا البلد الذي اختاره الله لي (الطبري)


فكان من غيلان بن خرشة ،وحمران بن أبان ومن شهد معه زوراً على ذلك العبد الصالح بذور الفتنة في أرض البصرة فأنتجت ثماراً مرّة

وكان بأرض البصرة (اللص حكيم بن جبلة(

وقد نزل عليه الزند يق الضال ابن سبأ واجتمع إليه نفر فطرح لهم أضاليله وافتراءاته فقبلوا منه واستعظموه فعلم به سيدنا ابن عامر فأخرجه من البصرة فذهب إلى الكوفة ثم إلى مصر فاستقرّ بها وجعل يكاتبهم ويكاتبونه 

سبق ذكر فتوحات المسلمين بقيادة سيدنا عبد الله بن عامر في خلافة سيدنا عثمان بمناشير سابقة (فصل الفتوحات ) 


 

10_ أوكار الفتنة في مصر

كان أتباع الفتن محصورين ولا يقوون على الظهور  فلا يتكلمون بسوء على خليفة أو على والي وذلك خلال ولاية سيدنا عمرو  بن العاص على مصر  .

فما زالوا حتى شكوه إلى سيدنا عثمان لينزعه عنهم ويولّي عليهم من هو ألين منه ؟ فلم يزل ذلك دأبهم حتى عزل عمراً عن الحرب وتركه على الصلاة وولّى على الحرب والخراج سيدنا عبد الله بن أبي سرح .

فمشى سُودان بن حُمران وكِنانة بن بِشر وأشباههما بالنميمة بين سيدنا عمرو وعبد الله فاستقدم سيدنا عثمان عمراً إلى المدينة وجمع ولاية  مصر كلها لعبد الله بن أبي سرح.

ومن بذور الفتنة أن نقم هؤلاء على سيدنا عبد الله بن سرح حين نفّله سيدنا عثمان خمس الخمس من الغنائم لموعدة وعده إياها فساروا إلى المدينة

وشكوا واليهم وطلبوا من سيدنا عثمان أن يردّ النفل فاستجاب لهم سيدنا عثمان وأداً للفتنة 


ومن رؤوس الفتنة والسعاة فيها محمد بن أبي حذيفة ومحمد بن أبي بكر الصدّيق.

وقد حمل الأول على الفتن أنه لم يولّيه سيدنا عثمان كما تقدّم 

والثاني (محمد بن أبي بكر) حمله الطمع وغرّه أقوام (وذلك يرويه الطبري بقول سيف بن عمر وسيف بن عمر هذا كان من أقرب الروايات التي لا تطعن بالصحابة الكِرام وذلك كما قرأنا تحقيقه عند عبد الستار الشيخ في كتابه).

ولمّا قدم عبد الله بن سبأ مصر وأخذ يلقي أباطيله على بعض رؤوس الشر مثل كِنانة بن بشر وسُودان بن حُمران والغافقي بن حرب 

وكان محمد بن أبي حذيفة سريع الاستجابة له وكان له دور في التأليب على فاتح مصر سيدنا عمرو بن العاص ، واستمر في إثارة الفوضى وتأريث الفتنة على الوالي الجديد (بن أبي سرح) وذلك في معركة  ذات الصواري  فجعل يقول كما يروي ابن الأثير لقد تركتا الجهاد خلفنا (يقصد قتال سيدنا عثمان )

فيلتقي بالرجل فيقول عثمان فعل كذا وكذا وفعل كذا وكذا حتى أفسد الكثير وأظهروا من القول مالم يكونوا ينطقون به

ويروي الطبري قول الزهري بسردٍ مطوّل عن ما قاله محمد بن أبي حذيفة ومحمد بن أبي بكر  بالعام الذي خرج به سيدنا عبد الله بن سعد فأخذا يعيبان على سيدنا عثمان ويتهمانه بأنه غيّر وبدّل وحاد  من لمز وهمز وطعن واستحلال دم 

فبلغ ذلك سيدنا عبد الله بن سعد فرفض أن يركبهما معهم في مركب(في معركة ذات  الصواري) وركبا وحدهما مع من لعبا بعقولهم أثناء المعركة وكانا أقل الناس قتالاً_كذالك روى ابن الأثير_

وأرسل ابنُ أبي سرح إلى أمير المؤمنين ليطلعه على الأمر ويخبره أن محمد بن أبي حذيفة ومحمد بن أبي بكر قد أفسدا عليه البلاد.

فكتب إليه سيدنا عثمان(أما ابن أبي بكر فإنه يُوهب لأبيه ولعائشة ، وأما ابن أبي حذيفة فإنه ابني وابن أخي وتربيتي وهو فرخ قريش)

فكتب إليه ابن أبي سرح(إن هذا الفرخ قد استوى ريشُه ولم يبقَ إلا أن يطير) الكامل لابن الأثير.

وحاول سيدنا عثمان ووالي مصر استصلاحهما ، وأصرّ ابن أبي حذيفة على اتهام سيدنا عثمان وسيدنا ابن أبي سرح  وأخذ يكيل التُّهم ويُصدر الأكاذيب هو ومن معه ، ومن ذلك ما رواه ابن الأثير أن سيدنا عثمان بعث إليه مالاً في مصر فأخرج ابن أبي حذيفة المال أمام عامة الناس وقال: إن عثمان يريد أن يرشوني فزاده ذلك في نظر الناس تعظيماً !!

وزاد في إفساده بتزوير كتب على ألسنة أمهات المؤمنين (سيرد ذكرها)  

وعلى هذه الحال كانت تضطرم مصر بنار الفتن والشائعات والأكاذيب بفعل هؤلاء المنحرفين والموتورين وأصحاب الأهواء.



 

11_تزوير الكتب 

من أخطر الأسلحة التي استخدمها المنحرفون وأتباع ابن سبأ سلاح تزوير الكتب والطعن على الولاة وأمير المؤمنين 

فقد كتبوا كتباً مزوّرة على لسان عدد من الصحابة مثل سيدنا( علي وطلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة )


وأرسلوها إلى الأمصار يحرضون أهلها على القتال وبذلك يوهمون الرأي العام ويقنعون الرعاع الذين ساروا معهم بأن الذي يقولونه يوافقهم عليه كبار الصحابة وأمهات المؤمنين!


ففي خبر خروجهم إلى المدينة وحصرهم سيدنا عثمان (سيأتي ذكره)  قبضوا على الذي يحمل أحد الكتب المزوّرة . فجاؤوا إلى سيدنا علي بن أبي طالب فقالوا 

[ألم تَر إلى عدوِّ اللهِ (يقصدون سيدنا عثمان لعنهم الله) يكتبُ فينا كذا وكذا وإنَّ اللهَ , تعالى , قد أحَلَّ دمَه قُمْ معنا إليه قال: واللهِ لا أقومُ معكم إليه قالوا: فلِمَ كتَبتَ إلينا ؟ قال: واللهِ ما كتَبتُ إليكم كتابًا قَطُّ قال: فنظَر بعضُهم إلى بعضٍ فقالوا: لهذا تقاتِلونَ أم لهذا تَغضَبونَ ؟ فانطَلَق عليٌّ يخرجُ منَ المدينةِ


أخرجه ابن حبان والبويصيري وعبد الله بن أحمد في زوائد فضائل الصحابة]

ويروي ابن سعد في طبقاته وابن شبة في تاريخ المدينة قول مشروق عن أم المؤمنين عائشة قالت حين قال لها مشروق هذا عملك كتبتِ إلى الناس تأمريهم بالخروج عليه(يعني عثمان) فقالت:

والذي آمن به المؤمنون وكفر به الكافرون ما كتبتُ إليهم بسوادٍ في بياض حتى جلستُ مجلسي هذا.


ومن رؤوس المفترين في هذا الميدان نأخذه من تاريخ المدينة لبن شبة هو :


محمد بن أبي حذيفة حيث كان يكتب على ألسنة أزواج ‏رسول الله ﷺ ثم يأخذ الرواحل فيضمرها ثم يأخذ الرجال الذين يريد أن يبعث بذلك معهم فيجعلهم على ظهور البيوت فيستقبلون بوجوههم الشمس لتلوّحهم تلويح المسافر ، ثم يأمرهم أن يخرجوا إلى طريق المدينة بمصر، ثم يرسلون رسلاً يخبرون بهم الناس ليلقوهم ،

وقد أمرهم إذا لقيهم الناس أن يقولوا : ليس عندنا خبر ، الخبر في الكتب .

ثم يخرج محمد بن أبي حذيفة والناس كأنه يتلقى رسل أزواج ‏رسول الله ﷺ فإذا لقوهم قالوا : لا خبر عندنا عليكم بالمسجد !

فيقرأ عليهم كتب أزواج ‏رسول الله ﷺ المزوّرة فيجتمع الناس اجتماعاً ليس صغيراً

ثم يقوم القارئ بالكتاب فيقول :

إنا لنشكوا إلى الله وإليكم ما عُمِل بالإسلام وما ضُيّع في الإسلام !

فيقوم أؤلئك الشيوخ من نواحي المسجد بالبكاء، ثم ينزل عن المنبر  ويخرج الناس بما قرأ عليهم.

.

وكان الطعن بالولاة وتشويه سيرتهم في سياسة الرعية والتشكيك بكفائتهم وإخلاصهم والأفتراء عليهم في أخلاقهم ودينهم وأتهامهم باختلاس الأموال وارتكاب الموبقات وغير ذلك من الفريات قد زاد الأمر سوء  وجاء إليها تزوير الكتب على سيدنا عثمان وكبار الصحابة فأدى ذلك إلى نتائج كارثية لكثرة العناصر الفاسدة في المجتمع يومئذٍ

فزادت البلبة في قلوب جمهور كبير من الرعية وزعزت الثقة بالخليفة والولاة والقادة ومسيرة الدولة


12_ يوم الجرعة و اتفاق رؤوس السبئيين للمسير لمناظرة سيدنا عثمان بما افتروه عليه من أخطاء مزعومة

دارت أحداث هذا العنوان في سنة ٣٤ للهجرة كما روى الطبري فقد قرر السبئيون بعد تكاتبهم أن يسيروا للمدينة النبوية

ولم يتهيأ ذلك إلا لأهل الكوفة ، فمصر يسيطر عليها الوالي  سيدنا عبد الله بن أبي سرح مع ما تمور به من فتن ابن سبأ وابن أبي حذيفة

والبصرة شغلها سيدنا عبد الله بن عامر بالجهاد والفتوحات

بينما الكوفة فقد نجح المنحرفون في مسعاهم لأن الوالي سيدنا سعيد بن العاص كان قد ذهب إلى المدينة النبوية ليوقف أمير المؤمنين على الأحوال في ولايته ويتبادلا الرأي مع كبار الصحابة(سيأتي ذكره).

فاستغل هؤلاء خلو منصب الولاية فقاموا بالانقلاب عليه!

كنا قد ذكرنا توبة الأشتر النخعي والسماح له بالإقامة حيث شاذ فاختار عند سيدنا عبد الرحمن بن خالد بن الوليد .

وكان سيدنا سعيد بن العاص قد عيّن قبل خروجه من الكوفة جماعة من أهل الفضل والكفاءة والطاعة على الولايات التابعة للكوفة  فجعل نائبه على الكوفة سيدنا عمرو بن حريث وعلى الجهاد والفتوح  سيدنا القعقاع بن عمرو.

روى الطبري أن الكوفة قد خلت من الرؤساء إلا منزوعاً أو مفتوناً فخرج يزيد بن قيس  الأرحبي وهو يريد خلع سيدنا عثمان فدخل المسجد فجلس فيه وثاب إليه الذين كان فيهم ابن السوداء يكاتبهم فانقض عليه القعقاع،  فأخذ يزيد بن قيس فقال : إنا نستعفي من سعيد! قال هذا ما لا يُعرض لكم فيه ، لا تجلس لهذا ولا يجتمعن إليك واطلب حاجتك ، فلعمري لتُعطينها!

فرجع إلى بيته واستأجر رجلاً وأعطاه دراهم وبغلاً على أن يأتي المُسيَّرين ، وكتب إليهم : لا تضعوا كتابي من أيديكم حتى تجيئوا فإن أهل البصرة قد جامعونا.

وكان الأشتر النخعي قد وصل جزيرة ابن عمؤ (قرب الموصل)  وقدم رسول يزيد الأرحبي على المُسيّرين المقيمين فيها وأخبرهم الخبر فوبخوه وخالفوه إلا الأشتر نشط بالأمر ونقض توبته وخرج إلى الكوفة عاصباً وخشي بقية المُسيّرين أن يعلم سيدنا عبد الرحمن بن خالد بأمرهم فلحقوا بالأشتر وكان قد سبقهم إلى الكوفة .

ولم يفجأ الناس في يوم الجمعة إلا والأشتر على باب المسجد يقول أيها الناس : إني قد جئتكم من عند أمير المؤمنين عثمان وقد تركت سعيداً يريد على نقصان نسائكم إلى مئة درهم وردّ أهل البلاد منكم إلى ألفين ، ويقول ما بال أشراف النساء وهذه العلاوة بين هذين العدلين ويزعم أن فيكم بستان قريش وقد سايرته مرحلة فما زال يزجر بذلك حتى فارقته يقول : 

ويلٌ لأشراف النساء منّي....صمصمحٌ كأنني من جِنِّ

وهذه فرية من الأشتر وولوغ في الفتنة لتحريكها

فاستخف الناس فخرجوا معه وبقي في الكوفة حُلماء الناس وأشرافهم ووجوههم .

وخرج يزيد بن قيس الأرحبي ومعه الأشتر ومن شايعهم فنزلوا (الجرعة)  وتلقوا سيدنا سعيد بن العاص فمنعوه دخول الكوفة وقام الأشتر بقتل مولى لسيدنا سعيد!!

ورجع سيدنا سعيد المدينة وأخبر سيدنا عثمان الخبر وقال له أنهم يريدون سيدنا أبو موسى الأشعري فكتب سيدنا عثمان بتوليته عليهم.


فقام سيدنا أبو موسى خطيباً بهم  فقالوا له: صلّ لنا ، قال لا، إلا على السمع والطاعة لعثمان بن عفان . قالوا : على السمع والطاعة لعثمان

وبذلك فشل موعد الأحزاب سنة ٣٤ واقتصرت الفتنة على ما حدث من أهل الكوفة في الجرعة فسُمّيّ ذلك اليوم بيوم الجرعة

وهكذا نرى أن المُسيّرين أصحاب أهواء  وقد افترى الأشتر فريات على الخليفة وعلى والي الكوفة وعلى أهلها ونقضوا توبتهم وحرضوا و و و وقد بقي الأشتر على هذه الحال حتى زمن سيدنا علي وسيرد ذكره حينها إن شاء الله

وكان هو وصحبه ويزيد والمفتونون الذين أيدوه هدفهم الأول خلع الخليفة لكن يزيد لمّا رأى قبضة القعقاع تسدّ أنفاسه خنس ووجه سهامه إلى ما دون الخليفة فطالب باستبدال الوالي  بآخر غيره.

وقد أدرك الوالي الجليل (سيدنا سعيد) حجم الفتنة فأثر وجه الله وأطفأها بعودته إلى أمير المؤمنين ليولي على الكوفة غيره.


 

13_ هدي سيدنا عثمان و  الطرق التي عالج بها الأحداث

في المجمل فإن سياسة سيدنا عثمان في مدة خلافته نرى أنه كان يأسُو خطاياهم ويرحم رُعاعهم ويعذر طائشهم ويعفو عن متنطعهم ويؤدب غادرهم ويُتابع فتّانهم فهو الخليفة والوالي والأب والأخ والمعين والمتسامح الكريم وهو كذلك القائم على حدود الله عز وجل فلا مجال للتسامح بإقامة الحدود.

■كان سيدنا عثمان يعالج كل مشكلة سواء كانت تجاوز او انحراف أو خروج عليه أو على والي له أو إثارة فتنة ، في وقت حدوثه وبالطريقة التي تناسب الوضع ، من تأديب أو تعزير أو حدّ أو نفي أو تغيير والّ أو ردّ هبة ومال.

ولا يترك الأمر يتفاقم ولا يجعل الفتنة تنمو والرعية تتذمر ولا يترك لأهل الفتنة حجة أو ذريعة

ويسلك في أغلب ذلك سبيل اللين والرأفة والرحمة والمسامحة وتحقيق المطالب المرجوة ما دام ذلك ممكناً وليس فيه تجاوز حق أو تعطيل حد من حدود الله عز وجل.

ويكتب بذلك الكتب فتُقرأ على العامة حتى يقطع الألسن ومن ذلك موقفه عندما خرج أهل الكوفة في يوم الجرعة ، كتب إليهم:

(بسم الله الرحمن الرحيم ، أما بعد فقد أمّرت عليكم من اخترتم، وأعفيتكم من سعيد، والله لأفرشنّكم عِرْضي ، ولأبذلن لكم صبري، ولأستصلحنكم بجهدي، فلا تدعوا شيئاً أحببتموه لا يعصى الله فيه إلا سألتموه، ولا شيئاً كرهتموه لا يُعصى الله فيه إلا استعفيتم منه، أنزل فيه عند ما أحببتم ، حتى لا يكون لكم عليَّ حجة) تاريخ الطبري.

■وكان سيدنا عثمان مستشعراً للفتنة ومدرك لأسبابها ومتابعاً لمؤججيها ومساعيرها في الأمصار ومحيطاً بأخبارهم وأعمالهم من خلال تراسله مع الولاة وأوامره لهم بمعالجتها بالحكمة واللين والترغيب والترهيب والتأديب.

ورأينا ذلك في قصة المُسيَّرين ومتابعته لهم من الكوفة إلى الشام إلى حمص،  و في فتنة يزيد بن قيس الأرحبي ويوم الجرعة وقد عالجها بعزل والٍ وتعيين آخر ،  وهذا من باب سياسته مع الولاة في المتابعة والمحاسبة والعزل وقطع دابر الفتن

■وعندما أدرك سيدنا عثمان تنامي الفتن وتعدد مصادرها وشيوع الافتراءات والإشاعات وقبض على بعض رؤوس مروجيها وبعد أن وقف على تردّد الكتب المزوّرة بين الناس وأخبره مستشاروه من جِلة الصحابة ، أرسل المفتشين إلى تلك الأمصار للوقوف على حقيقة الأخبار مثلما كان يفعل سيدنا عمر (راجع منشور الكتب المزروة)

دعا سيدنا عثمانُ سيدنا محمدَ بن مسلمة (رجل المهمات) فأرسله إلى الكوفة وأرسل سيدنا أسامة بن زيد إلى البصرة وأرسل سيدنا عمار بن ياسر إلى مصر وأرسل سيدنا عبد الله بن عمر إلى الشام  وفرّق رجالاً سواهم . فرجعوا جميعاً قبل سيدنا عمار فقالوا: أيها الناس والله ما أنكرنا شيئاً ولا أنكره أعلامُ المسلمين وعوامّهم ، وقالوا: الأمر أمر المسلمين ، إلا أن أمراءهم يُقسطون بينهم ويقومون عليهم.

واستبطأ الناس عماراً حتى ظنوا أنه قد اغتيل فلم يفجأهم إلا كتاب سيدنا عبد الله بن سعد بن أبي سرح يخبرهم أن عماراً قد استماله قوم بمصر وقد انقطعوا إليه ، منهم عبد الله بن السوداء وخالد بن ملجم وسودان بن حُمران وكِنانة بن بِشر

وقد تدارك سيدنا عثمان ووالى مصر الأمر  وجيء بسيدنا عمار إلى المدينة مكرماً (الطبري)


(جدير  بالذكر أن حادثة سيدنا عمار قد حاول السبيئون ورواة تاريخهم أن يجعلوا خلاف وشقاق بين سيدنا عثمان وسيدنا عمار وساقوا بذلك الكثير من الروايات في كتبهم  والحقيقة مغايرة تماماً لما كتبوا  ومن مبدأ أميتوا الباطل بالسكوت عنه لن تتطرق صُحبة الأجداد للأمر وإن طلّ أحد أتباع ابن سبأ سنلجم لسانه .)

◇◇◇وهذه اللجنة التي أرسلها سيدنا عثمان وهي ثلة من أكابر  الصحابة أكدت السلامة  على الوجه العام في تلك الأمصار وأن المزاعم التي يزعمها أصحاب الشر لا حقيقة لها وأن واقع حال الأمّة الاستقامة والرضا والولاة يسيرون بالقسط  والرحمة  وانتشار الإسلام الذي بقيت فتوحاته حتى سنة ٣٤ للهجرة في مختلف الجبهات 


■لم يكتفِ أمير المؤمنين بما تقدم بل عمل أشياء أخرى 


14_ فعمل مناقشة مع وولاته الأحداث وأيضاً في الفرة تتمة هديه وسياسته بالتعامل مع الأحداث

وجّه سيدنا عثمان كتاباً عاماً إلى الأمصار دعا فيه العامة والخاصة ليشاركوا في محاربة الإنحرافات والشائعات وعدم الركون إليها

((أما بعد فإني آخذ العمال بموافاتي في كل موسم وقد سلطت الأمّة منذ وليت على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا يرفع علي شيء ولا على أحد من عمالي إلا أعطيته وليس لي ولعيالي حق قبل الرعية إلا متروك لهم وقد رفع إلى أهل المدينة أن أقواما يشتمون وآخرون يضربون فيامن ضرب سرا وشتم سرا من ادعى شيئا من ذلك فليواف الموسم فليأخذ بحقه حيث كان مني أو من عمالي أو تصدقوا فإن الله يجزي المتصدقين. فلما قُرئ في الأمصار أبكى الناس ودعوا لسيدنا عثمان وقالوا إن الأمة لتمخض بشرّاً)) الطبري

وهذا قصد أبعد من أحقاق الحق ورد المظالم ففيه فضح لجميع الأكاذيب والافتراءات وإن كانوا أصحاب حق فليأتوا على أعين الناس في أطهر بقاع الأرض.

■وأضاف أمير المؤمنين بعداً آخر في العلاج وتدبير الأمور ومحاصرة الفتن والمؤامرات  فأمر الولاة بحضور الجلسات العامة واللقاءات المفتوحة  ثم بعد ذلك سؤالهم عن واقع حال ولاياتهم ومن بعدها استشارتهم في معالجة ما يدور بين جماعات المغرضين  والمفترين للقبض على الأيدي الخفية التي تحركهم.

■كان سيدنا عثمان  قد بعث إلى الولاة فقدم عليه سيدنا عبد الله بن عامر وسيدنا معاوية بن أبي سفيان وسيدنا عبد الله بن سعد وأدخل معهم سيدنا سعيد ونفراً  فقال:

ويحكم ! ما هذه الشكاية؟ وما هذه الإذاعة ؟ إني والله لخائف أن تكونوا مصدوقاً عليكم، وما يُعصب هذا إلا بي!

قالوا ألم تبعث؟ ألم نرجع إليك الخبر من القوم؟ ألم يرجعوا ولم يشافههم أحد بشيء ؟ لا والله ما صدقوا وما بروا(يقصدون المنحرفين والسبئيين)

ولا نعلم لهذا الأمر أصلاً وما كنت لتأخذ به أحداً فيقيمك على شيء وما هي إلا إذاعة لا يحل الأخذ بها ولا الانتهاء إليها.

قال: فأشيروا علي فقال سيدنا سعيد بن العاص: هذا أمر مصنوع يصنع في السر فيلقى به غير ذي المعرفة فيخبر به فيتحدث به في مجالسهم قال: فما دواء ذلك؟ قال: طلب هؤلاء القوم ثم قتل هؤلاء الذين يخرج هذا من عندهم!

وقال سيدنا عبد الله بن سعد: خذ من الناس الذي عليهم إذا أعطيتهم الذي لهم فإنه خير من أن تدعهم


قال سيدنا معاوية: قد وليتني فوليت قوما لا يأتيك عنهم إلا الخير والرجلان أعلم بناحيتيهما قال: فما الرأي؟ قال: حسن الأدب قال: فما ترى يا عمرو؟ قال: أرى أنك قد لنت لهم وتراخيت عنهم وزدتهم على ما كان يصنع عمر فأرى أن تلزم طريقة صاحبيك فتشتد في موضع الشدة وتلين في موضع اللين إن الشدة تنبغي لمن لا يألو الناس شرا واللين لمن يخلف الناس بالنصح وقد فرشتها جميعا اللين.


وقام سيدنا عثمان فحمد الله وأثنى عليه وقال: كل ما أشرتم به علي قد سمعت ولكل أمر باب يؤتى منه إن هذا الأمر الذي يخاف على هذه الأمّة كائن وإن بابه الذي يغلق عليه فيكفكف به اللين والمؤتاة والمتابعة إلا في حدود الله تعالى ذكره التي لا يستطيع أحد أن يبادي بعيب أحدها فإن سده شيء فرفق فذاك والله ليفتحن وليست لأحد علي حجة حق وقد علم الله أني لم آل الناس خيرا ولا نفسي ووالله إن رحا الفتنة لدائرة فطوبى لعثمان.

◇◇◇ويلاحظ من هذا النقاش وتداول الآراء أنهم كانوا خبراء بما يدور في ولاياتهم  ويعرفون مصدر الشرور ومساعيرها،وأنهم كانوا ناصحين للأمة وجادّين في الضرب على يد كل من يسعى في اضطراب أمر المسلمين .

وتكاد آرائهم تلتقي على حل هو الشدة مع السبئيين وأوكار الفتنة ومروجي الكذب وأنهم مصدر الخطر الذي يستفحل أمره

أما الخليفة فهو يدرك ذلك تماماً لكن له رأي مختلف فهو يعلم أن الفتنة قادمة لا ريب وقد حدث بها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم وهو يشير إلى سيدنا عثمان بأنه على الحق والهدى فكان رأيه هو كفكفة جماحها وتأديب السعاة فيها والتخفيف من شرها واتباع الرأفة والرحمة والمسامحة ما لم تُرتكب الحدود أو تُنتهك الحقوق

لأنه يعلم أن السيف إذا سُل من غمده لن يعود إلا محمرّاً بالدماء  وشعاره في ذلك

(طوبي لعثمان إن مات ولم يحركها) وبقي على هذا الحال في كل المراحل التي سيرد ذكرها 

وتلك سياسة لا يقدر عليها إلا أناس قد وهبهم الله عز وجل لهذه الأمة ليسوسوها بالعدل والإنصاف والرحمة والحفاظ على الأنفس والأرواح 

وكان سيدنا عثمان يخشى إن اختُرطت السيوف أن تأخذ بأنفس أناس لا ذنب لهم لأنهم من الرعاع والأعراب والمغرر بهم  ولربما ينجو من يستحق القتل 

ولقد نظر سيدنا عثمان فيما وراء تلك الفتن ورأى أن مسعّريها يرومون إشهار السيف لتتسع دائرة الفتنة ويتفاقم الخلاف ويحدث الانشقاق والتحزّب في الأمّة وإذا نطق السيف سكت اللسان وحار العقل وعزّ العلاج على الأُساة

هكذا كان نهج  سيدنا عثمان لمعالجة الأحداث العاصفة 

لا طيش ولا ضعف ولا عسف ولا مداهنة وسار بمثلها ولاته


 

15_ مسير رؤوس الفتنة إلى المدينة وأهدافهم المعلنة والخفية

قدمنا ما كان في يوم الجرعة واجتماع سيدنا عثمان مع ولاته  وكيف تم مواجهتهم لكن هؤلاء الملاعين لم يستسلموا بل لجؤوا إلى طريقة أخرى وسلكوا نفس المنهج في التقية والباطنية والنفاق  بإظهار شعارات الإصلاح ومناقشة الخليفة في أمور شاعت بين الناس، وفي باطنهم  خلاف ما يعلنون ممثلاً بخلع سيدنا عثمان وقتله!

واتفقوا على الخروج في موسم الحج وتم لهم ذلك في شوال من سنة (35 للهجرة).

●روى الطبري  بعد عودة الأمراء لم يكن للسبئية سبيل إلى الخروج إلى الأمصار وكاتبوا أشياعهم من أهل الأمصار أن يتوافوا بالمدينة لينظروا فيما يريدون وأظهروا أنهم يأمرون بالمعروف ويسألون سيدنا عثمان عن أشياء لتطير في الناس ولتُحقّق عليه .

●●●وخرجوا مع الحُجّاج كالحجّاج وتكاتبوا فقالوا(موعدكم ضواحي المدينة في شوال حتى إذا دخل شوال من سنة 35 ضربوا كالحجاج فنزلوا قرب المدينة) 

وكان قد استغل محمد بن أبي حذيفة غياب والي مصر عند سيدنا عثمان  ونزا على ولاية مصر ومنع  سيدنا ابن سرح من دخولها واستولى على أمور مصر وأسهم في خروج الفرق من مصر باتجاه المدينة.

فخرجت من #مصر أربع رفاق عليها أربعة أمراء ،المقلل يقول ٦٠٠ رجل والمكثر يقول ١٠٠٠ رجل وعلى كل فرقة قائد  وعليها جميعاً الغافقي بن حرب العكّي . ولم يجرؤوا أن يعلموا الناس بخروجهم إلى الحرب وإنما كحجّاج ومعهم ابن السوداء 

وخرج من أهل #الكوفة  أربع رفاق وعليها أربعة قادة وعليهم جميعاً عمرو بن الأصم  وعديدهم كعدد الفرق التي خرجت من أهل مصر 

وخرج من أهل #البصرة  أربع رفاق وعليها أربع قادة وعليهم جميعاً حُرقوص بن زهير السعدي وعددهم كعدد الفرق التي خرجت من أهل مصر

سوى من تلاحق بهم من الناس (الطبري )


●وكان المنحرفون هؤلاء من أهل الأمصار الثلاثة متفقون على هدف واحد هو إدانة سيدنا عثمان على الملأ باتهامات لفّقوها وضخّموها وأذاعوها في الناس ومن ثم خلعه وقتله

قالوا(نريد أن نذكر له أشياء قد زرعناها في قلوب الناس ثم نرجع إليهم فنزعم أنّا قد قرّرناه بها فلم يخرج منها ولم يتب ثم نخرج كأنّا حُجاج حتى نقدم فنحيط به فنخلعه فإن أبى قتلناه وكانت إياها)  الطبري 

لكن الرؤوس المدبرة مختلفون عن قصدٍ وخبث في البديل عنه 

فأما أهل مصر فإنهم يشتهون سيدنا علي  وأما أهل البصرة فإنهم يشتهون سيدنا طلحة وأما أهل الكوفة فإنهم يشتهون سيدنا الزبير)

●كذلك رتبوا خروجهم وأحكموا خططهم واتفقوا على وقت المسير وكيفيته والمنازل التي ينزلونها في المدينة ودراسة وضع الناس في عاصمة الخلافة وأخبارهم وولائهم لسيدنا عثمان وبعد ذلك عرض مطالبهم على أعيان الصحابة.

فخرجوا وهم على الخروج جميع وفي الناس شتى  وكل فرقة لا تشك بأن الفُلج معها وأن أمرها سيتم دون الآخرين ، حتى إذا كانوا من المدينة على ثلاث، تقدّم ناسّ من أهل البصرة فنزلوا ذا خشب وناسٌ من أهل الكوفة فنزلوا الأعوص

وجاءهم ناس من أهل مصر وتركوا عامتهم بذي المروة.



 

وقفات قبل التعمّق بالأحداث

نلاحظ أن:

■ خروج السبئيون كان له هدف محدد وواضح أعدّه رؤوس أولئك الفجرةواتفقوا عليه وهو ضرب الخلافة ولم يُعلِموا بذلك عامة أتباعهم من الأغرار والرعاع بل موّهوا عليهم وزرعوا في قلوبهم أن سيدنا عثمان فعل المنكرات وخالف الهدي النبوي

■كان خروجهم مُنظّماً ومُعدّاً إعداداً مُحكماً من حيث وقت الخروج وكيفيته وأماكن النزول قرب المدينة وأعداد الفرق التي تخرج من كل مِصر واستبطان أحوال المدينة وأهلها والتزاور بين الجيوش الثلاثة لمتابعة الأخبار والتنسيق المستمر لكل خطوة

■اختيار الزمان والمكان مكّن قادة هؤلاء الملاعين من تحقيق أهدافهم بشكل كبير وخصوصاً مسألة #الحج فهم عندما أظهروا أن قصدهم الحج والذهاب للمدينة أخفوا أغراضهم عن عامة المسلمين وعمّوا حقيقة هدفهم على أتباعهم فلم يرتابوا بأمرهم،  ودفعوا شكّ الصحابة بهم ومكّنهم من الوصول إلى المدينة وفيها قليل من المسلمين حيث معظمهم بمكة

■التقية والباطنية والنفاق الواضح من قِبل زعماء المنحرفين فيظهرون غير ما يبطنون 

■ كان رؤوسهم متفقين على خلع سيدنا عثمان وقتله ولكنهم مختلفون في البديل وهذا من المكر والخبث لزرع الفتنة بين صفوف الصحابة وإثارة الهرج والمرج وشق الدولة وهذا مكر يهو دي خبيث

■الذي يؤكذ فجور هؤلاء وغدرهم وكذبهم وبطلان دعواهم وسوء نياتهم ، التصريح بأهدافهم وفي باطنهم ما يخالف  كل أقوالهم وأفعالهم ،وأن أحداً منهم ليس له حق مطلول أو مظلمة مُهدرة عند والٍ فضلاً عن أمير المؤمنين

وليس في زعمائهم واحدٌ له تاريخ مجيد أو أعمال فاضلة أو سابقة إلى مكرمة وخير وفضل  

■ لم يقبل عملهم هذا أحدٌ من الصحابة وصرّح بضلالهم وفجورهم وكذبهم وانحرافهم سيدنا (علي وطلحة والزبير  وأمهات المؤمنين وغيرهم) كما أوردنا وكما سيرد بنهاية الأحداث من أقوال لهم 

■كثيرة هي الروايات الطائشة في كتب بني رفضون زوراً وبهتاناً على الصحابة الكِرام فهم كما أسلفنا لهم دين مختلف عن ديننا الحنيف فمن الطبيعي أن تكون مصادرهم مختلفة عن مصادر أهل السُّنة


16_ مواجهات بين بعض كبار الصحابة وبين رؤوس أحزاب

السبئيين والمنحرفين والخوارج

●استقرأ سيدنا عثمان الأحداث كما أسلفنا وتولى معالجتها وقد عرف هؤلاء الموتورين الفتّانين وعلِم مكرهم وغدرهم فأراد أن يقف على حقيقة مخرجهم ويكشف خبيئة أنفسهم، فأرسل إليهم رجلين كما روى الطبري، مخزومياً وزُهرياً

وهذا عملٌ بارع من سيدنا عثمان فقد كان يثق بهؤلاء الرجلين وبنفس الوقت هؤلاء الرجلين من الذين يرتاح لهم المنحرفون 

● روى الطبري أن هؤلاء الرجلين كانا ممن نالهما أدب سيدنا عثمان واصطبرا للحق فقال لهم سيدنا عثمان : انظرا ما يريدون واعلما عِلمهم.

فلما رأوهما باثُّوهما وأخبروهما بما يريدون

قالا: كيف تريدون أن تصنعوا ؟ قالوا : نريد أن نذكر له أشياء قد زرعناها في قلوب الناس ثم نرجع إليهم فنزعم لهم أنا قرّرناه بها، فلم يخرج منها ولم يتُب ، ثم نخرج كأنّا حُجّاج حتى نقدم به فنخلعه، فإن أبى قتلناه ! وكانت إياها

فرجعا إلى سيدنا عثمان بالخبر فضحك وقال: اللهم سلّم هؤلاء فإنك إن لم تُسلّمهم شقُوا.

●ولمّا نزلت جيوش الأحزاب الثلاثة منازلهم حول المدينة كما ذكر عبد الستار الشيخ منقولاً من مختصر ابن عساكر ورواية الطبري في تاريخه

اجتمع من أهل مصر نفرٌ فأتوا سيدنا علي ومن أهل البصرة نفرٌ فأتوا سيدنا طلحة ومن أهل الكوفة نفرٌ فأتوا سيدنا الزبير

وقال كل فريق منهم إن بايعوا صاحبنا ، وإلا كدناهم وفرّقنا جماعتهم ثم كررنا حتى نبغتهم .

●فأتى المصريون سيدنا علي وهو في عسكر عند أحجار الزيت(موضع غرب المسجد النبوي) عليه حُلّة أفواف(قطن) معتمّ بشقيقةٍ حمراء يمانية متقلد السيف ليس عليه قميص وقد سرّح ابنه سيدنا الحسن إلى سيدنا عثمان فيمن اجتمع إليه من الصحابة ، فسلّم المصريون على سيدنا علي فلمّحوا إليه في خلع سيدنا عثمان ومبايعته فصاح بهم وأطردهم وقال: لقد علم الصالحون أن جيش ذي المروة وذي خُشب والأعوص ملعونون على لسان ‏محمد ﷺ ، فارجعوا لا صحبكم الله ! قالوا : نعم ، فانصرفوا من عنده على ذلك.

● وأتى البصريون سيدنا طلحةَ وهو في جماعة أخرى إلى جنب سيدنا علي وقد أرسل ابنيه إلى سيدنا عثمان

فسلّم البصريون عليه وعرّضوا له(بيعتع وخلع سيدنا عثمان تلميحاً) فصاح بهم وأطّردهم وقال : لقد علم المؤمنون أن جيش ذي المروة وذي خُشب والأعوص ملعونون على لسان  محمدﷺ

●وأتى الكوفيون سيدنا الزبيرَ وهو في جماعة أخرى وقد سرّح ابنه سيدنا عبد الله  إلى سيدنا عثمان فسلّموا عليه وعرّضوا له، فصاح بهم واطردهم وقال: لقد علم المسلمون أن جيش ذي المروة وذي خشب والأعوص ملعونون على لسان محمد ﷺ


قد يسأل سائل لماذا هؤلاء الصحابة الثلاثة  ومعسكرين وسرّحوا ابنائهم للدفاع عن سيدنا عثمان؟

الجواب : أسلفنا أن ثلاث جيوش فاجئت الناس في المدينة النبوية ونزلت قربها وهم دعاة فتنة يخرجون على إمام  أوصى ‏رسول الله ﷺ  بالالتفاف حوله حين الفتنة فمن الطبيعي أن يعسكرون ويستنفرون وينتظرون إذن سيدنا عثمان ومن الطبيعي أن يلتف الصحابة الكِرام حول سيدنا عثمان 


 


17_ سيدنا عثمان وجهاً لوجه مع المنحرفين الخوارج يزيّف دعواهم ويقطع حججهم

بعد أن أرسل سيدنا عثمان الرجلين (المخزومي والزُهري) استخرج خبيئة أنفس أولئك المفسدين فعزم سيدنا عثمان على مواجهتهم أمام المسلمين الشاهدين عامة لإقامة الحجة عليهم وكشف القناع عن مخططات رؤوسهم ونيّاتهم وتبصيراً لأتباعهم المغرّر بهم .

وتوافق توجّه سيدنا عثمان مع رغبة السبئيين وأحلافهم من رؤوس المفسدين  فهم يسعون لذلك مع اختلاف النيّة والهدف.

■لدينا نص من صحيح ابن حبان ومصنف  ابن أبي شيبة والبويصري وزوائد فضائل الصحابة لعبد الله بن أحمد  وغيرهم 

وهذا النص مطوّل وفيه أحداث لقاء سيدنا عثمان بهؤلاء الأحزاب ومحاجّته لهم  وهذا النص يثبت لنا روايات الطبري عن الرواي الذي أخذنا منه فقراتنا السابقة وهو سيف بن عمر (كما أسلفنا بمنشور سابق أن الطبري يروي في كتابه الكثير من الروايات الرائجة في سوق العلم ويذكرها بالراوي وعليك أنت أن تحقق الرواي فإن كان ثقة فتأخذ به وإن كان غير ذلك فلم يشترط الإمام الطبري أن كل الذي في كتابه صحيح بل هو ذكر كل الروايات وعليك أن تمحّصها)


#النص:

 سمع عثمانُ بنُ عفانَ رضي اللهُ عنه أن وفدَ أهلِ مصرَ قد أقبَلوا فاستَقبَلهم وكان في قريةٍ خارجًا منَ المدينةِ , أو كما قال , فلما سمِعوا به أقبَلوا نحوَه إلى المكانِ الذي هو فيه قالوا: كرِه أن تقدَموا عليه المدينةَ , أو نحوَ ذلك , فأتَوه فقالوا له: ادعُ بالمصحفِ قال: فدَعا بالمصحفِ فقالوا له: افتَحْ السابعةَ , وكانوا يسمُّونَ سورةَ يونسَ: السابعةَ , فقرَأ حتى أتى على هذه الآيةِ: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ فقالوا له: قِفْ أرأيتَ ما حُمِي مِن حمَى اللهِ اللهُ أذِن لكَ أم على اللهِ تَفتَري ؟ فقال: أمضِه نزَلَتْ في كذا وكذا وأما الحِمى: فإنَّ عُمرَ حَمى الحِمى قبلي لإبلِ الصدقةِ فلما وُلِّيتُ حمَيتُ لإبلِ الصدقةِ أمضِه فجعَلوا يأخُذونَه بالآيةِ فيقولُ: أمضِه نزلَتْ في كذا وكذا قال: وكان الذي يلي كلامَ عثمانَ في سِنكَ , قال: يقولُ أبو نضرةَ يقولُ ذلك لي أبو سعيدٍ قال أبو نضرةَ وأنا في سِنكَ قال أبي: ولم يخرجْ وجهي يومئذٍ لا أدري لعلَّه قال مرةً أخرى: وأنا يومئذٍ ابنُ ثلاثينَ سنةً قال: ثم أخَذوه بأشياءَ لم يكُنْ عندَه منها مخرجٌ فعرَفها فقال: أستَغفِرُ اللهَ وأتوبُ إليه ثم قال لهم: ما تُريدونَ ؟ قالوا: فأخَذوا ميثاقَه وكتَب عليهم شرطُا ثم أخَذ عليهِم أن لا يَشُقُّوا عصًا ولا يُفارِقوا جماعةً ما قام لهم بشرطِهم , أو كما أخَذوا عليه , فقال لهم: ما تُريدونَ ؟ قالوا: نريدُ أن لا يأخُذَ أهلُ المدينةِ عطاءً فإنما هذا المالُ لمن قاتَل عليه ولهذه الشيوخِ مِن أصحابِ محمدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فرَضوا وأقبَلوا معه إلى المدينةِ راضينَ قال: فقام فخطَبَهم فقال:  ألا مَن كان له زرعٌ فلْيَلحَقْ بزرعِه ومَن كان له ضرعٌ فيحتلبْ ألا إنه لا مالَ لكم عندَنا إنما هذا المالُ لمن قاتَل عليه ولهذه الشيوخِ مِن أصحابِ محمدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: فغضِب الناسُ وقالوا: هذا مكرُ بني أميةَ ثم رجَع الوفدُ المصريُّونَ.


■والخبر هذا يذكر وفد المصريين فقط ويغلب الظن أن السبب هو سبق المصريين للقاء سيدنا عثمان وأن في الرواية اختصار فاكتفى الراوي بذكر المصريين لأن مطالبهم مثل مطالب الآخرين والقيادة لهم فهم يعبرون عن باقي المنحرفين الذين معهم

◇◇◇هذا وسنذكر كيف ساق الطبري تفاصيل هذه الرواية عن سيف بن عمر بالتفصيل في فقرة لاحقة لكي ترتسم لنا صورة كاملة عن الحادثة

 


18_اجتماع ومناقشة بين سيدنا عثمان و الكوفيين والبصريين 

بعد نزولهم قرب المدينة كما في الفقرة السابقة أرسل سيدنا عثمان إليهم ونادى الصلاة جامعة وهم عنده في أصل المنبر فأقبل أصحاب ‏رسول الله ﷺ حتى أحاطوا بهم فحمد الله وأثنى عليه وأخبرهم خبر القوم وقام الرجلان(المخزومي والزهري ) وطلبوا من سيدنا عثمان أن يقتل المنحرفين 

فقال سيدنا عثمان بل نعفو ونقبل ونبصّرهم بجهدنا ولا نحادّ أحداً حتى يركب حدّاً أو يُبدي كفراً!

إن هؤلاء ذكروا أموراً قد علموا مثل الذي علمتم ، إلا أنهم زعموا أنهم يُذاكرونها ليُوجِبُوها عليّ عند من لا يعلم.

قالوا أتمّ الصلاة في السفر وكانت لا تُتم ألا وإني قدِمت بلداً فيه أهلي فأتممت لهذا الأمر أوكذالك؟ قالوا: اللهم نعم.

وقالوا حميت الحِمى! وإني والله ما حميت إلا ما حُمي قبلي ، والله ما حموا شيئاً لأحد ، ما حموا إلا ما غلب عليه أهل المدينة ثم لم يمنعوا من رغبة أحداً ، واقتصروا لصدقات المسلمين يحمونها لئلا يكون بين من يليها وبين أحد تنازع، ثم ما منعوا ولا نحّوا منها أحداً إلا من ساق دهماً(العدد الكثير) وما لي من بعير غير راحلتين وما لي ثاغية ولا راغية وإني قد وليتُ وإني لأكثر العرب بعيراً وشاءً ، فما لي اليوم شاة ولا بعير غير بعيرين لحجّي ، أكذلك ؟ قالوا اللهم نعم

وقالوا كان القرآن كتباً فتركتها إلا واحداً ألا وإن القرآن واحد جاء من عند واحد وإنما أنا في ذلك تابع لهؤلاء أكذلك؟ قالوا اللهم نعم وسألوه أن يقتلهم(راجع منشور القرآن الإمام في فقرات سابقة)

وقالوا إني رددت الحكم(الحكم بن أبي العاص)  وقد سيّره ‏رسول الله ﷺ ! والحكم مكّي سيره ‏رسول الله ﷺ من مكة إلى الطائف ثم رده ‏رسول الله ﷺ  ‏فرسول الله ﷺ سيّره و‏رسول الله ﷺ ردّه أكذلك ؟ قالوا اللهم نعم

وقالوا استعملت الأحداث ولم استعمل إلا مجتمعاً محتمِلاً مرضيّاً وهؤلاء أهل عملهم فسلوهم عنه وهؤلاء أهل بلده وقد ولّى من قبلي أحدث منهم وقيل ل‏رسول الله ﷺ أشدّ مما قيل لي في استعماله أسامة ، أكذلك؟ اللهم نعم. يعيبون للناس مالا يفسرون

وقالوا إني أعطيت ابن أبي سرح ما أفاء الله عليه وإني إنما نفّلته خُمس ما أفاء الله عليه من الخمس فكان مئة ألف وقد نفّل مثل ذلك أبو بكر وعمر فزعم الجند أنهم يكرهون ذلك فرددته عليهم وليس ذلك لهم أكذلك؟ قالوا : نعم

وقالوا إني أحبُ أهل بيتي وأعطيهم فأما حبّي فإنه لم يملُ معهم على جور بل أحمل الحقوق عليهم وأما إعطائهم فإنما أعطيهم من مالي ولا أستحل أموال المسلمين لنفسي ولا لأحد من الناس ، ولقد كنت أعطي العطية الكبيرة الرغيبة من صُلب مالي أزمان ‏رسول الله ﷺ وأبي بكر وعمر وأنا يومئذٍ شحيح حريص أفحين أتيت على أسنان أهل بيتي(جاوزت أعمارهم) وفني عمري وودعت الذي لي في أهلي قال الملحدوم ما قالوا! وإني والله ما حملتُ على مصرٍ من الأمصار فضلاً فيجوز ذلك لمن قاله ولقد رددته عليهم وما قدم عليّ إلا الأخماس ولا يحلُّ لي منها شيء فولي المسلمون وضعها في أهلها دوني ولا تبلغت من مال الله عز وجل بفلس فما فوقه ولا أتبلغ به ما آكل إلا من مالي.

وقالوا أعطيت الأرض رجالاً وإن هذه الأرضين شاركهم فيها المهاجرون والأنصار أيام افتتحت فمن أقام بمكان هذه الفتوح فهو أُسوةُ أهله، ومن رجع إلى أهله لم يذهب ذلك ما حوى الله عز وجل فنظرت بالذي يُصيبهم مما أفاء الله عليهم فبعته لهم بأمرهم من رجال أهل عقارٍ ببلاد العرب ، فنقلت إليهم نصيبهم فهو في أيديهم دوني.


■■وقام أمير المؤمنين بتعميم وقائع ذلك الاجتماع وما تمخضت عنه المناظرة والمحاججة على الأمصار

الطبري عن سيف بن عمر  وهذه الأمور كان قد نقمها هؤلاء المنحرفون على سيدنا عثمان وقد ناظرهم بها وأقام عليهم الحجة 


 

19_ الكتاب المزوّر على لسان سيدنا عثمان

بعد الاجتماع واللقاء الحاسم بين سيدنا عثمان وجمهور السبئيين وأتباعهم والمنحرفين وبعد أن دفع سيدنا عثمان باطلهم بحقّه وأثبت لهم سلامة المنهج ، رأى عامّتهم صدق مسعاه وصحه منهجه وذلك في مجتمع من المهاجرين والأنصار وتحت سمع الخارجين وبصرهم آنذاك.

فانقلب رؤوس هؤلاء المنحرفين والغيظ والضغن يأكل أكبادهم ويحرق قلوبهم وعلموا أن الدائرة ستدور عليهم إن لم يتداركوا أمرهم.

فرجعوا إلى مضاربهم وأظهروا لأهل المدينة أنهم راجعون إلى بلدانهم وقد أقلعوا عن مبتغاهم ، فقوضوا خيامهم وخرجوا من المدينة ليوهموا أهلها بأنّ الأمر قد انتهى ، فيطمئن أهل المدينة ويضعوا أسلحتهم وحذرهم.


وحقيقة الأمر أنهم عازمون على مباغتة المدينة بعد أن درسوا الخطة وأحكموا تنفيذها وأيقنوا أن لا مفرّ من خلع الخليفة فإن أبى قتلوه ولن يكون هذا إلا بمفاجأة الناس ولا بدّ لذلك من ذريعة يقنعون بها أتباعهم 

وكانت الذريعة هي (كتاب مزوّر على لسان سيدنا عثمان وعليه خاتمه يأمر بقتل هؤلاء المنحرفين فأمسكوا بالكتاب وحامله وكرّوا راجعين إلى المدينة وضربوا حصاراً على أمير المؤمنين)

فما هي التفاصيل ؟

■بالعودة لباقي النص الذي أسلفنا ذكر روايته بصحيح ابن حبان ومصنف الزوائد ومصنف ابن شيبة وغيرهم والذي يتحدث عن وفد المصريين (ثم رجع وفد المصريون راضين فبينما هم في الطريق إذا هم براكب يتعرّض لهم ثم يفارقهم ثم يرجع إليهم ثم يفارقهم ويسُبهم! قالوا: ما لك إن لك لأمراً ما شأنك؟ قال: أنا رسول أمير المؤمنين إلى عامله بمصر ، قال : ففتشوه ،فإذا هم بالكتاب على لسان عثمان عليه خاتمه إلى عامله بمصر أن يصلبهم أو يقتلهم أو يقطع أيديهم وأرجلهم! فأقبلوا حتى قدموا المدينة فأتوا عليّاً فقالوا: ألم ترا إلى عدو الله كتب فينا كذا وكذا وإن الله قد أحل دمه قم معنا إليه، فقال : والله لا أقوم معكم ، قالوا: فلمَ كتبت إلينا؟ قال: والله ما كتبت إليكم كتاباً قط! فنظر بعضهم إلى بعض ثم قال بعضهم لبعض ألهذا تقاتلون أولهذا تغضبون؟

فانطلق عليّ فخرج من المدينة إلى قرية وانطلقوا حتى دخلوا على عثمان فقالوا: كتبت بكذا وكذا؟ فقال: إنما هما اثنتان أن تقيموا عليّ رجلين من المسلمين أو يميني بالله الذي لا إله إلا هو ما كتبتُ ولا أمليتُ ولا علمتُ ، وقد تعلمون أن الكتاب يُكتب على لسان الرجل وقد يُنقش الخاتم على الخاتم! فقالوا: قد والله أحلَّ الله دمك. ونقضوا العهد والميثاق وحاصروه) صحيح ابن حبان والزوائد ومصنف ابن شيبة كما اسلفنا.

■تزيد لنا رواية ابن سيف التي رواها الطبري الأمر وضوحاً 

(فأتاهم الناس فكلّموهم وفيهم عليّ فقال: ما ردكم بعد ذهابكم ورجوعكم عن رأيكم؟ قالوا أخذنا مع بريدٍ كتاباً بقتلنا، وأتاهم طلحة فقال البصريون مثل ذلك ، وأتاهم الزبير فقال الكوفيون مثل ذلك،

وقال الكوفيون والبصريون فنحن ننصر إخواننا ونمنعهم جميعاً.. كأنما كانوا على ميعاد!

فقال لهم سيدنا علي: كيف علمتم يا أهل الكوفة ويا أهل البصرة بما لقي أهل مصر، وقد سرتم مراحل ثم طويتم نحونا؟ هذا والله أمرٌّ أبرم بالمدينة ! قالوا: فضعوه على ما شئتم ، لا حاجة لنا في هذا الرجل ليعتزلنا) الطبري عن ابن سيف

جدير بالذكر أن الطبري قد روى عن الواقدي وهذا الواقدي رجلٌ متحرّق على الصحابة الكرام ، أن هناك رجلين قد تخلفا عن مغادرة المدينة حين غادر وفد المصريين وهما(الأشتر النخعي وحُكيم بن جبلة) 

■وقصة هذا الكتاب المزعوم تحمل شواهد وضعها وبطلانها في كل كلمة من كلماتها قد حاكها تدبير شيطاني خبيث وكيد أثيم وتآمر من حزب السبئيين وعلى رأسهم الأشتر النخعي وحُكيم بن جبلة أشياع رأس الشر  وجرثومة الفساد ابن سبأ اليهودي لتقويض الخلافة وإشعال نار الفتنة 

وهو كتاب مكذوب على لسان سيدنا عثمان وخاتمه مزوّر على خاتمه وهو وسيدنا مروان بن الحكم وحاشيته براء من هذا الكتاب وذلك للكثير من الحقائق والأمور الواضحة

والتي سنفصلها بفقرة منفصلة نظراً لضرورتها



20_ حقائق مهمة حول الكتاب المزوّر على لسان سيدنا عثمان وتعليق حول سيدنا مروان بن الحكم

■إن حامل الكتاب المزوّر قد تعرّض لهؤلاء المصريين ثم فارقهم وكرّر ذلك وهو لم يفعل ذلك إلا ليلفت أنظارهم إليه ويثير شكوكهم فيه. وإلا لو كان سيدنا عثمان كاتبه لخاف الرجل من المنحرفين وابتعد عنهم وأسرع إلى والي مصر ليعطيه الكتاب وينفذه

■كيف علم العراقيون بالأمر وقد اتجهوا لبلادهم وفصلتهم عن المصريين الذين أمسكوا بالكتاب مسافة شاسعة فالعراقيون في الشرق والمصريون بالغرب ! !

وهذا ما احتج به سيدنا علي عليهم  كما أسلفنا بالفقرة السابقة

■كيف يكتب سيدنا عثمان إلى سيدنا ابن أبي سرح بقتل هؤلاء وابن أبي سرح كان عقب خروج جيش المنحرفين من مصر متجهين إلى المدينة كتب إلى الخليفة يستأذنه بالقدوم عليه وقد تغلّب على مصر محمد بن أبي حذيفة(سبق ذكر ذلك) وقد خرج ابن أبي سرح من مصر إلى العريش وفلسطين فالعقبة فكيف يكتب سيدنا عثمان إليه؟؟ 

■إن سيدنا عثمان قد نهى عن قتل محمد بن أبي بكر وجيوش السبئيين عندما حاصروه كما سيأتي ذكره ، وأبى على الصحابة أن يدافعوا عنه ولم يأمر بقتل الخارجين عليه دفعاً عن نفسه فكيف يكتب فيهم مثل ذلك الكتاب المزعوم وقد خرجوا عنه من المدينة مظهرين التوبة والإنابة؟؟

■تخلّف الأشتر النخعي وحُكيم بن جبلة في المدينة بعد خروج المنحرفين منها ، يشير إشارة واضحة إلى أنهما هما اللذان افتعلا الكتاب فمن المعروف أنهم من رؤوس الشر والفتنة وما هي مصلحتهم بالبقاء بالمدينة غير مثل هذا الأمر؟

وقد أشار سيدنا علي بقوله هذا أمر أُبرم بالمدينة كما تقدم ذكره

■■■■■■■ذكر عدد من أئمة المسلمين رواية أن سيدنا مروان بن الحكم هو من  زوّر الكتاب  وذلك كما عند ابن كثير رحمه الله وعند الذهبي رحمه الله !!

وهذه من العجائب أن تنطلي عليهم هذه الرواية والتي فيها تبرئة لساحة المجرمين والذي يتهم سيدنا مروان بن الحكم فهو بذلك ينسب إلى الخليفة الغفلة عن مهامه وأن في ديوان الخلافة من يجري الأمور ويقضي بها دون علمه!!

ثم لو أن سيدنا مروان زوّر الكتاب لكان أوصى حامله بأن يبتعد عن أولئك المنحرفين ولا يتعرض لهم في الطريق حتى يأخذوه! وإلا لكان متآمراً معهم على سيدنا عثمان وهذا محال!(سيأتي في فصل سيدنا مروان بن الحكم ترجمته والأحداث بعهده والكثير حول شخصيته وورعه إن كتب الله لنا العمر)  

■أن هذا الكتاب المشؤوم ليس أول كتاب يزوّره هؤلاء المجرمون بل زوّروا كتباً على ألسنة أمهات المؤمنين وعلى لسان سيدنا(علي وطلحة والزبير)  وقد أوضحنا ذلك بفقرة سابقة 

■ وقد جرى على ألسنة السبئين ما استكن في ضمائرهم اعترافاً بجريمة التزوير وافتراء الكذب على خليفة المسلمين أو ابن عمه سيدنا مروان حيث قالوا (فضعوه على ما شئتم لا حاجة لنا في هذا الرجل ليعتزلنا) وهو واضح كل الوضوح بأنهم ليس هدفهم إلا تقويض الخلافة وهدم بنيانها وتفتيت الأمّة.

وبتزوير هذا الكتاب المشؤوم على لسان سيدنا عثمان وتزوير خاتمه تمكن مدبروا الفتنة ومساعيرها أن يلعبوا بعقول أتباعهم ويقودوهم كالبعير إلى الهدف المرسوم وهو ضرب الحصار على سيدنا عثمان والتضييق عليه ومن ثم قتله

وهذا ما سنوضحه بقادم الفقرات



21_ الحصار الآثم ومجرياته  حصار سيدنا عثمان

نبدأ ببدايات الحصار  

فبعد اختلاق الكتاب المزوّر على لسان سيدنا عثمان وتزوير خاتمه  وتدبير تلك المكيدة الخبيثة عادت كتائب الخوارج المصريين من السبئين وأتباعهم ومعهم محمد بن أبي بكر الصدّيق ورجعت كذلك فِرق إخوانهم من العراقيين ووصل الجميع إلى المدينة في آنٍ واحد ، ولم يرُع أهل المدينة إلا التكبير في نواحيها ، وقالوا للناس من كفّ يده فهو آمن.

وكان ذلك في أوائل ذي القعدة من سنة 35 للهجرة

ولزم الناس بيوتهم وصلى سيدنا عثمان بالناس أياماً فيصلي وراءه أهل المدينة وهؤلاء الفجرة يصلون خلفه وكانوا لا يمنعون أحداً من الكلام وكانوا زمراً بالمدينة يمنعون الناس من الاجتماع كما روى الطبري.

●فأتاهم الناس وكلّموهم وفي مقدمة الناس سيدنا( علي وطلحة والزبير) وكلُهم يؤنبهم ويزجرهم على عودتهم الآثمة ويبين افتراءهم في تذرُّعهم بالكتاب المزوّر وكما أسلفنا أن سيدنا علي قال لهم : هذا أمرٌ أُبرم بالمدينة .

فلم ينجع فيهم شيء وهم مصرّون على هدفهم الإجرامي ولسانهم يقول لا حاجة لنا في هذا الرجل(أمير المؤمنين) ليعتزلنا!

ولم يتوقف سيدنا عثمان الراشد البار عن محاججتهم وصرفهم عن ضلالهم وخروجهم الظالم عليه وناقش بعض زعاماتهم بصورة فردية.

●ومضى سيدنا عثمان على هديه في الرأفة والرحمة والتعطّف بهؤلاء المارقين وهو يرى فيهم أغراراً مغفلين منقادين من قِبل ذئاب لا يرجون لله وقاراً ولا يقيمون لحرمة وزناً ولا لعهد قيمة ولا لإمام طاعة ولا لدم حرمة.

فطاولهم مطاولة من يطمع في إصلاح الحال بالبر والسياسة والحكمة فسمع وأجاب وأخذ وأعطى ولان وأشتد وصالح وخاصم ، كل ذلك في ظل عدل الخلافة الراشدة ونُبل أخلاقه ورحمة حكمه وورع سياسته.

فهو أحد أولئك العباقرة ورجال الصحراء وتلاميذ المدرسة الأولى للدعوة الإسلامية الذين اصطفاهم الله عز وجل لقيادة الإنسانية 

●قام سيدنا عثمان فأعلن محاججته لأولئك المنحرفين المفترين على الأشهاد وفي ملأ منهم قادة وأتباع وفي مشهد مجلس شورى الخلافة وأعيان الصحابة وعامة الناس

ومن صور محاججته لهم يرويها لنا  الترمذي والنسائي وغيرهم

قول ثُمامة بن حزن القشيريّ قال(

شَهِدْتُ الدَّارَ حينَ أشرفَ علَيهِم عثمانُ ، فقالَ : ائتوني بصاحِبَيكمُ اللَّذينِ ألَّباكم عليَّ . قالَ : فجيءَ بِهِما كأنَّهما جَملانِ أو كأنَّهما حِمارانِ ، قالَ : فأشرفَ علَيهِم عثمانُ ، فقالَ : أنشدُكُم باللَّهِ والإسلامِ هل تعلمونَ أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ قدمَ المدينةَ وليسَ بِها ماءٌ يُستَعذَبُ غيرَ بئرِ رومةَ فقالَ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ : مَن يشتري بئرَ رومةَ فيجعلَ دلوَهُ معَ دلاءِ المسلمينَ بخيرٍ لَهُ منها في الجنَّة ؟ فاشتريتُها مِن صلبِ مالي وأنتُمُ اليومَ تمنَعوني أن أشربَ منها حتَّى أشربَ من ماءِ البحرِ . قالوا : اللَّهمَّ نعَم . فقالَ : أنشدُكُم باللَّهِ والإسلامِ   هل تعلَمونَ أنَّ المسجدَ ضاقَ بأَهْلِهِ ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ : مَن يشتري بقعةَ آلِ فلانٍ فيزيدَها في المسجدِ بخيرٍ لَهُ منها في الجنَّة ؟ فاشتريتُها من صُلبِ مالي فأنتُمُ اليومَ تمنعوني أن أصلِّيَ فيها رَكْعتينِ ؟ قالوا : اللَّهمَّ ، نعَم . قالَ : أنشدُكُم باللَّهِ وبالإسلامِ ، هل تَعلمونَ أنِّي جَهَّزتُ جيشَ العُسرةِ من مالي ؟ قالوا : اللَّهمَّ نعَم . قالَ : أنشدُكُم باللَّهِ والإسلامِ هل تعلَمونَ أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ كانَ على ثَبيرِ مَكَّةَ ومعَهُ أبو بَكْرٍ وعمرُ وأَنا فتحرَّكَ الجبلُ حتَّى تساقَطت حجارتُهُ بالحضيضِ قالَ : فرَكَضَهُ برجلِهِ فقالَ : اسكُن ثبيرُ فإنَّما عليكَ نبيٌّ وصدِّيقٌ وشَهيدانِ ؟ قالوا : اللَّهمَّ ، نعَم . قالَ : اللَّهُ أَكْبرُ شَهِدوا لي وربِّ الكعبةِ أنِّي شَهيدٌ ، ثلاثًا)

●وروى النسائي وأحمد قول الأحنف بن قيس

قال (خرَجنا حُجَّاجًا ، فقدِمنا المدينةَ ونحنُ نريدُ الحجَّ ، فبينا نَحنُ في مَنازِلِنا نضعُ رحالَنا ، إذ أتانا آتٍ ، فقالَ : إنَّ النَّاسَ قدِ جَمعوا في المسجِدِ ، وفزعوا ، فانطلقنا ، فإذا النَّاسُ قدِ اجتَمعوا في المسجِدِ، وإذا عليٌّ ، والزُّبَيْرُ ، وطلحةُ ، وسعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ، فإن لَكَذلِكَ ، إذ جاءَ عثمانُ بنُ عفَّانَ ، علَيهِ مُلاءةٌ صفراءُ قد قنَّعَ بِها رأسَهُ ، فقالَ : أَها هُنا عليٌّ ؟ أَها هُنا طلحةُ ؟ أَها هُنا الزُّبَيْرُ ؟ أَها هُنا سعدٌ ؟ قالوا : نعَم، قالَ: فإنِّي أنشدُكُم باللَّهِ الَّذي لا إلَهَ إلَّا هوَ، أتعلَمونَ أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ؟ قالَ: من يبتاعُ مربدَ بَني فلانٍ غفرَ اللَّهُ لَهُ فابتعتُهُ بعشرينَ ألفًا أو بخمسةٍ وعشرينَ ألفًا، فأتيتُ رسولَ اللَّهِ فأخبرتُهُ فقالَ: اجعَلها في مسجِدِنا وأجرُهُ لَكَ، قالوا: نعَم، قالَ: فأنشدُكُم باللَّهِ الَّذي لا إلَهَ إلَّا هوَ، أتعلمونَ أنَّ رسولَ اللَّهِ، قالَ: مَن يَبتاعُ بئرَ رومةَ غفرَ اللَّهُ لَهُ؟ فابتعتُهُ بِكَذا وَكَذا، فأتيتُ رسولَ اللَّهِ فقُلتُ: قد ابتعتُها بِكَذا وَكَذا، قالَ: اجعَلها سقايةً للمسلمينَ وأجرُها لَكَ، قالوا: اللَّهمَّ نعَم، قالَ: فأنشدُكُم باللَّهِ الَّذي لا إلَهَ إلَّا هوَ، أتعلَمونَ أنَّ رسولَ اللَّهِ نظرَ في وجوهِ القومِ فقالَ: مَن جَهَّزَ هؤلاءِ غفرَ اللَّهُ لَهُ؟ يعني جيشَ العُسرةِ فجهزتم حتَّى ما يفقِدونَ عِقالًا ولا خِطامًا، قالوا: اللَّهمَّ نعَم، قالَ: اللَّهُمَّ اشهَد، اللَّهمَّ اشهَدْ)


◇◇◇◇وهذه بعض المحاورات  التي قام بها سيدنا عثمان لإقامة الحجة عليهم من جديد 

فما كان من هؤلاء اللئام إلا بتشديد الحصار  والطلب من أمير المؤمنين خلع نفسه وما كان منه إلا رفض طلبهم تمسكاً بالأمر النبوي ....يتبع


 


22_ كيف ردّ سيدنا عثمان على مطالبات السبئيون له بأنّ يخلع نفسه؟


□لم ينكسر الخارجين عن مخططهم بعد كل الأمور التي حدثهم بها سيدنا عثمان وإقامته الحجة عليهم ، بل شدّدوا الحصار على الخليفة وضيّقوا عليه في دخوله وخروجه وهم ماضون في تحقيق هدفهم الذي قالوه مراراً (لا حاجة لنا في هذا الرجل ليعتزلنا) فلم يجدوا من أمير المؤمنين إلا الرفض القاطع والصبر الراسخ وبقي كالجبل الراسي ثابتاً 

□ وبعد ذلك صعّدوا الأمر وجهروا به أمام الخليفة والعامة ، لا يردعهم خلق ولا يزوغون عن فتنة!

روى ابن سعد في طبقاته قول أم يوسف بن ماهك عن أمها قالت(دخلت على عثمان وهو محصور وفي حجره المصحف وهم يقولون اعتزلنا وهو يقول لا أخلع سِربالاً سربلنيه الله)


□سيدنا عثمان كان مدركاً بهذا الطلب (الخلع) فقد حدثه به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم 

فقد أخرج الترمذي وابن ماجة وأحمد وغيرهم حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها

((يا عثمانُ إن اللهَ مُقَمِّصُكَ قميصًا، فإن أرادك المنافقونَ على خَلْعِهِ فلا تَخْلَعْهُ))


وفي هذا الحَديثِ يُوصِي النبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عُثمانَ رَضِي اللهُ عَنه بعدَمِ الانصِيَاعِ للمُتمرِّدين الَّذين سيُحاوِلون عَزْلَه؛ ولذلِك لم يَتَنازَلْ عن الخِلافةِ؛ تَنفيذًا لوصيَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم له، وفيه يقولُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "يا عُثمانُ، إنَّه لعلَّ اللهَ يُقمِّصُك قَميصًا"، أي: يُلَبِّسُك قَميصًا، ويَعني بذلك الخِلافةَ، فشَبَّهها بالقميصِ الَّذي يَلبَسُه الإنسانُ ولذا قال: "فإنْ أرادوك على خَلْعِه"، أي: سَعَوْا في عَزْلِك "فلا تَخلَعْه لهم"، أي: إنْ أرادوا عزْلَك فلا تستَجِبْ لهم، فأنت على حقٍّ وهم على باطلٍ، وتُلَبَّسوا بالفِتنةِ والشُّبهاتِ.

□وقد وفى سيدنا عثمان بذاك العهد النبوي واعتصم به على شدائد نتائجه وأعلن ذلك صراحة وواجه به أولئك الفتّانين كذا مرة بقوله ما كنت لأخلع سربالاً سربلنيه الله

□وأيّد الصحابة الكرام سيدنا عثمان وتابعوه عليه وشدّوا على يديه وواسوه في ذلك وناصحوه وبشّروه بوعد الله عز  وجل

أورد ابن عساكر في تاريخه وابن سعد في طبقاته 

قول نافع مولى سيدنا ابن عمر 

(قال لي عثمان وهو محصور في الدار: ما ترى فيما أشار به عليَّ المغيرة بن الأخنس؟ قال: قلت: وما أشار به عليك؟ قال: قال: إن هؤلاء القوم يريدون خلعي، فان خَلعتُ تركوني، وإن لم أخلع قتلوني.

قال: قلت: أرأيت إن خلعت تترك مخلداً في الدنيا؟ قال: لا، قال: فهل يملكون الجنة والنار؟ قال: لا: قال: فقلت: ارأيت ان لم تخلع هل يزيدون على قتلك؟ قال: لا.

قال: فقلت: فلا أرى أن تسنّ هذه السنّة في الإسلام، فكلـّما سخط قوم أميرهم خلعوه. لا تخلع قميصاً قمصكّه الله.)

□هذا الموقف من سيدنا عثمان يُضاف إلى فرائد مناقبه وفضائله فتراه وقد نيّف على الثمانين من عمره وفي ذلك الظرف العصيب  يعتصم بعهد ‏رسول الله ﷺ إليه ويستمسك بمسؤولياته الكبار وقد حُمّل أمانة البيعة وأمانة الحكم وأمانة الإسلام ودعوته فيحرص على الوفاء بحقوق ذلك مهما كانت التضحيات ولو كانت روحه الطاهرة.


 23_ تشديد الحصار على سيدنا عثمان

ذكر الطبري عن سيف لما جاءت الجمعة التي على أثر نزول المصريين وكذا العراقيين مسجد ‏رسول الله ﷺ خرج سيدنا عثمان فصلى بالناس ثم قام على المنبر فقال : يا هؤلاء الغُزاة الله الله! فوالله إن أهل المدينة ليعلمون أنكم ملعونون على لسان ‏محمد ﷺ ، فامحوا الخطأ بالصواب فإن الله لا يمحو السيّئ إلا بالحسن.

فقام سيدنا محمد بن مسلمة فقال: أنا أشهد بذلك، فأخذه حُكيم بن جبلة فأقعده . فقام سيدنا  زيد بن ثابت فقال: ابغني الكتاب ، فثار إليه من ناحية أخرى محمد بن أبي قُتيرة فأقعده، وقال فأقطع، وثار القوم بأجمعهم فحصبوا الناس (حصى) حتى أخرجوهم من المسجد وحصبوا سيدنا عثمان حتى صُرع عن المنبر مغشيّاً عليه فاحتُمل فأُدخل داره، ودخل عليه سيدنا(علي وطلحة والزبير وغيرهم) يعودونه من صرعته ويشكون بثّهم.

■وكما روى الطبري قول الحسن البصري برواية تشبه ما روايته هذه عن سيف وفي آخر الرواية أن سيدنا عثمان صلى بالناس عشرين يوماً ثم منعوه من الصلاة.

■ واجترأ هؤلاء الأشيقاء على سيدنا عثمان فبينما طائفة منهم جالسون في نادٍ لهم فمرّ سيدنا عثمان بهم فسلّم فردّ القوم السلام فقام جبلة بن عمرو الساعدي وكان في يده جامعة(هي الغل يجمع اليدين إلى العنق) وأقبل على سيدنا عثمان فقال: والله لأطرحن هذه الجامعة في عنقك أو لتتركن بطانتك هذه_يعني سيدنا معاوية ومروان وابن عامر وأمثالهم من الذين ولُوا لسيدنا عثمان_! فانصرف سيدنا عثمان فما زال الناس مجترئين عليه من يومئذٍ(الطبري) 

■وروى الطبري وغيره  أن رجل اسمه الجهجاه قال لسيدنا عثمان وهو يخطب على عصا ‏رسول الله ﷺ التي كان يخطب عليه سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر : قم يا نعثل فانزل عن هذا المنبر، وأخذ العصا  وكسرها على ركبته اليمنى فدخلت شضية منها في ركبته فبقي الجرح حتى أصابته الأكلة وذُكِر عن الرواي أنه رآها تدود!

■وزاد أولئك الظلمة الأشقياء من وطأة حصارهم وأخذوا يضيقون على حركة أكابر الصحابة حتى لا ينصروا سيدنا عثمان ورموا داره بالحجارة تمهيداً لاقتحامها وشددوا الحصار عليه وأهل بيته فحالوا بين الناس وبينه ومنعوه كل شيء حتى الماء الذي كان ثمن البئر من ماله ، وقد كان يُدخل عليه بالشي مما يريد وطلبوا العِلل فلم تطلع عليهم عِلّة. فعثروا فرموّا في داره الحجارة ليُرموا فيقولوا قُوتلنا _وذلك ليلاً_ فناداهم سيدنا عثمان ألا تتقون الله! أما تعلمون أن في الدار غيري ؟ قالوا: لا والله ما رميناك، قال فمن رمانا؟ قالوا : الله، قال: كذبتم إن الله لو رمانا لم يُخطئنا وأنتم تخطئوننا(الطبري)

■تصاعدت وتيرة الحصار وضيّق أولئك الخوارج على أهل المدينة ممن لم يذهب للحج وفي هذه الأيام مُنع سيدنا عثمان من الخروج للصلاة وكان يصلي بالناس أحياناً الغافقي بن حرب زعيم فرق الخوارج السبئيين ففي رواية أخرى للطبري أن سيدنا عثمان صلى بالناس ثلاثين يوماً ثم إنهم منعوه الصلاة فصلى بالناس أميرهم الغافقي وقد دان له الكوفيون والبصريون وتفرّق أهل المدينة في بيوتهم لا يخرج أحد ولا يجلس إلا وعليه سيفه يمتنع به من رهق القوم وكان الحصار أربعين يوماً وفيهن كان القتل كما سيأتي 

ولم يصلي الغافقي طيلة الفترة التي مُنع بها سيدنا عثمان بل صلى بالناس أيضاً أجلّاء الصحابة عن أمر سيدنا عثمان قيل أنه سهل بن حنيف كما في تاريخ المدينة لبن شبة 

■وكان قد ثاب جماعات من الصحابة إلى أمير المؤمنين فلما رأى الخوارج ذلك وضعوا على سيدنا علي رقيباً فلازمه في نفر وكذا على سيدنا طلحة والزبير وغيرهم


◇◇◇هذه صورة عامة من تشديد الحصار على أمير المؤمنين فكيف صنع الصحابة ؟

وكيف ناصروا أمير المؤمنين ؟ وكيف صنع سيدنا عثمان ؟  سنناقش هذه النقاط لاحقاً


 

23_نصرة الصحابة الكِرام لسيدنا عثمان بعد اشتداد الحصار عليه

مقدمة

في تلك الظروف القاسية والوطأة تشتد على أمير المؤمنين خاصة والمسلمين عامة دخل الصحابة الكِرام الواحد بعد الآخر على سيدنا عثمان يقدّمون له عدة حلول ومخارج لتلك الأزمة الخانقة والمؤامرة اليهودية السبئية ولم يتركوه ولا عادوا لبيوتهم بل باتوا قريبين منه يغدون عليه ويروحون ويرسلون إليه أبنائهم وشباب الصحابة للمكث الدائم عنده حتى لا يغدر به أولئك المارقة وسيدنا عثمان يصرّ على عدم إراقة الدماء والثبات في الموقف والبقاء في المكان حتى آخر نفس له ليكون موته في بلد ‏رسول الله ﷺ.

■كثيرة هي المواقف التي دافع بها الصحابة عن سيدنا عثمان وزجروا حلف السبئيين ولم يعتب عليه ولا خرج عليه أحد من أكابر الصحابة أو السابقين إلى الإسلام ولا افتات عليه المهاجرين والأنصار ولا أشعل في وجهه الفتنة واحد من الصحابة عامة ولا التابعين لهم بإحسان مع أن البعض منهم قد خالفوا سيدنا عثمان ببعض الاجتهادات كالتمتع بالحج أو إتمام الصلاة بمنة أو من هذه القبيل ولم تبرح هذه الاختلافات الفقهية أن تبيت بل كان الاصطلاح سيد الموقف ولا سبيل للشيطان على أولئك الأطهار الأخيار

■فإن سيدنا عليّ دافع عن أمير المؤمنين عثمان كما روى ابن عساكر  بأنه أرسل لسيدنا عثمان أنه معه خمس مئة دارعٍ فأذن لي فأمنعك من القوم  وأبى سيدنا عثمان لعدم حبه أن يهراق الدماء وأسلفنا بأنه أرسل ابنه للذب عن سيدنا عثمان وتجهّز واستنفر وزجر أحلاف بني سبأ وغيرهم

■كان سيدنا معاوية بن أبي سفيان قد عرض على سيدنا عثمان قبل أن تشتد الأزمة(حين الاجتماع بولاة الأمصار) أن يُقيم بالشام فأبى سيدنا عثمان أن يُفارق مدينة رسول الله ﷺ

■ وقد رغب الصحابة وأبنائهم وكل من في المدينة من الصالحين بالدفاع عن أمير المؤمنين  وقدّموا بين يديه نماذج من التضحيات وعرضوا عليه شتى ألوان الذوذ والفداء فما وجدوا منه إلا الرفض التام للقتال وحمل السلاح(سيأتي تبيان سبب رفض سيدنا عثمان لذلك القتال)

■روى ابن سعد في طبقاته قول عبد الله بن عامر بن ربيعة(كنت مع عثمان في الدار فقال: أعزم على كل من رأى أن لنا عليه سمعاً وطاعة إلا كفّ يده وسلاحه فإن أفضلكم عندي غناءً من كفّ يده وسلاحه) 

■وروى ابن سعد وابن العربي   قول سيدنا عثمان لأبي هريرة لمّا طلب منه الإذن بقتال هؤلاء الخارجين عليه المحاصرين له، قال: يا أبا هريرة أيسرك أن تقتل الناس جميعا وإياي؟ قال: لا، قال: فإنك والله إن قتلت رجلا واحدا فكأنما قتل الناس جميعا، فرجع أبو هريرة ولم يقاتل  

■ وروى ابن سعد قول محمد بن سيرين(كنا مع عثمان يومئذٍ في الدار سبعُ مئة ، لو يدعهم لضربوهم إن شاء الله حتى يخرجوهم من أقطارها منهم ابن عمر والحسن بن علي وعبد الله بن الزبير) 

■ وروى أيضاً قول محمد  بن سيرين قال(جاء زيد بن ثابت  إلى عثمان فقال: هذه الأنصار بالباب يقولون إن شئت كنّا أنصار الله مرتين، قال فقال عثمان  أما القتال فلا)

■وروى أيضاً قول سيدنا عبد الله بن الزبير(قلت لعثمان : يا أمير المؤمنين إنَّ معك في الدار عصابةً مستنصرة ينصر الله بأقلّ منهم، فأذن لي فلأقاتل! فقال: أُذكِّر بالله رجلاً أهرَاق فيّ دمه أو قال: أهراق فيّ دماً)

■وفي فضائل الصحابة لأحمد قول أبي سلمة بن عبد الرحمن(أن الحسن بن علي دخل على عثمان فقال: يا أمير المؤمنين إنا طوع يديك فمُرني بما شئت! فقال له عثمان: يا ابن أخي ارجع فاجلس في بيتك حتى يأتي الله بأمره فلا حاجة لي في هراقة الدماء) 


وقد طاشت العديد من الكتب الضالة المضلة بأن بعض الصحابة كانوا قد تآمروا على سيدنا عثمان !!! وأنهم خذلوه ولم يقفوا معه !!

وهذه الكتب تقتات على روايات متقدمي بني رفضون  ●●●ونحن اكتفينا بذكر هذه النماذج ويوجد غيرها الكثير من دفاع الصحابة الكرام عن سيدنا عثمان ونصرتهم له ولكنّه قابلها بالرفض لأسباب سنوضحها بفقرة منفصلة


 

24_ لماذا يصرّ سيدنا عثمان على عدم القتال؟

بدايةً: جاء في كثير من الأحاديث وصفٌ للفتين وبواعثها وأسبابها ونتائجها وموقدي جذوتها والقائمين والساعين إليها.

ولكثرة الفتن التي تحيط بالأمّة وتتساقط في ربوعها كمواقع القَطْر وللخسائر الفادحة  التي تترتب على نزولها، ولأن العقول تطيش وقتها وتزلُّ الأقدام حِيالها ويصعب الخلاص منها على العقلاء فضلاً عن العوام فإن ‏رسول الله ﷺ حذّر وأنذر وبيّن وأوضح وأجمل وفصّل وتحدّث فأكثر عن الفتن التي ستُفتح أبوابها بعد وفاته  ﷺ.

وقد كانت فتنة مقتل سيدنا عثمان مروّعة ومُفظعة طاشت بعقول الألباء فضلاً عمن دونهم وقد كان سيدنا عثمان محور الأحداث فيها وهو المستهدف في شخصه ونفسه ومنصبه وقد حزم أمره منها فاعتزلها وكفّ يده عنها بل أمر كل من له عليه طاعة أن يكفّ يده ويغمد سيفه ونهاهم عن القتال وإراقة نقطة من دم كما أسلفنا بالفقرة السابقة.


فما هي الأسس التي انطلق منها سيدنا عثمان؟

الأسس والمبررات والاجتهادات التي رآها سيدنا عثمان يمكن إجمالها فيما يلي:

◇◇ معرفة سيدنا عثمان التامة بهذه الفتنة التي أحاطت به وأنه في مسلكه منها على الحق والهدى فبقي معتصماً بهديه وموقفه من أعدائه إلى آخر لحظة وزاده اطمئناناً إلى هذا وصاةُ ‏رسول الله ﷺ الصحابة بأن يكونوا مع سيدنا عثمان ويتبعوه ويؤيدوه ويعملوا حسب سياسته وهديه

روى أحمد بإسنادٍ جيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنّكم تلقون بعدي فتنةً واختلافاً أو قال اختلافاً وفتنة - فقال قائل من الناس: فمن لنا يا رسول الله؟ قال: عليكم بالأمين وأصحابه، وهو يشير إلى عثمان بذلك)) 

◇◇علمه بأنه مبتلى ببلوى شديدة وأنه سيُقتل ظلماً ويقضي شهيداً وقد ثبت عنده في عدّة أحاديث نبوية منها (ادخله وبشرّه بالجنة على بلوى شديدة ) ومنها (يُقتل فيها هذا المقنع مظلوماً) 

◇◇ وكان سيدنا عثمان على علم تام بأن الخوارج السبئيين يريدون قتله دون غيره  وقد قال ذات مرة إنما تُراد نفسي  ((ومن المعلوم إذا تجرّد السيف لن ينغمد بسهولة))

◇◇ تمسّكُه بالعهد الذي عَهِده إليه ‏رسول الله ﷺ وعمله بوصيته في سبيل إنهاء الفتنة وتجنباً لنشوب الاقتتال وإراقة الدماء 

روى أبو عبد الله الحاكم بإسناده إلى أبي سهلة مولى عثمان عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ادعوا لي أو ليت عندي رجلاً من أصحابي قالت: ليت أبو بكر؟ قال: لا قلت: عمر قال: لا قلت: فعثمان قال: نعم قالت: فجاء عثمان فقال: قومي قال: فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يسر إلى عثمان ولون عثمان يتغير قال: فلما كان يوم الدار قلنا: ألا تقاتل قال: لا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى أمراً فأنا صابر نفسي عليه))  رواه أيضاً ابن ماجة وأحمد والبويصيري 

◇◇ خوفُ سيدنا عثمان من قتل أي نفس ظلماً  فخشي إن نشب القتال أن تُراق دماء بريئة أو في سفكها شبها وخصوصاً مع الأغرار المغفلين أتباع الخوارج  فكان يصرّ على كل الصحابة الذين هبّوا لنصرته جماعات وأفراداً ويقول(أُذكِّر الله رجلاً أهراق فيّ دماً)

ومن ذلك قوله لسيدنا أبو هريرة كما في طبقات ابن سعد (يا أبا هريرة أيسرُّك أن تقتل الناس جميعاً وإياي؟ قلت لا، قال: والله إن قتلت رجلاً واحداً فكأنما قُتل الناس جميعاً)

◇◇ حرصه على وحدة الأمّة والجماعة وخشيته أن يكون سبب اشتعال الفتنة في المسلمين وتفريق كلمتهم وتمزيق شملهم ، واخذ نظرية فداء الفرد لحفظ كيان الجماعة وكما أسلفنا يقول إنما تُراد نفسي وسأقي المؤمنين بنفسي

◇◇ _وسيدنا عثمان حافظ على نظام الأتباع لا الإبتداع وأنه لن يكون أول من يسنّ سفك الدماء في الأمّة فتكون سنة سيئة يقتدي بها من بعده 


رضي الله عن أمير المؤمنين سيدنا عثمان وعن باقي الصحابة الكرام 


 

25_ نصرة الأمصار لسيدنا عثمان

روى الطبري عن طريق سيف بن عمر أن سيدنا عثمان استمدّ الأمصار بكتاب يستمدهم ويأمرهم بالذوذ عن الخليفة والخلافة والإسلام...الخ

وهنا يقف المتابع (كيف يمنع القتال وبنفس الوقت يستمد الأمصار ؟) وما الفائدة من المدد طالما أن ‏رسول الله ﷺ حدّثه بأنه سيُقتل وأنه مظلوم ؟

■قدمنا أن سيدنا عثمان عزم على الكفكفة ودرء الفتنة وإمساكه بأيدي الصحابة عن القتال ومنعهم من الاشتباك مع وجود جماعات من الصحابة كفيلة بردّ البغاة وقمع الفجرة .

لكن ذلك التكافؤ العددي بين الطرفين سيؤدي إلى سفك دماء كثيرة في مدينة ‏رسول الله ﷺ وسيدنا عثمان لا يحب هذا

بل يريد أقل الحالات شرّاً وأخفّها ضرراً ولا بد لهذا من قوة عظيمة إذا رآها المنحرفون خنسوا واستسلموا

■ فكان أمير المؤمنين يودّ أن تكون عنده قوة كبيرة باطشة تقمع قوى الشر والفساد وتضع حداً لغطرستها فأرسل إلى عماله في الأمصار بذلك ، وكذلك يكون الحجيج قد قضوا مناسكهم فتنضم قوتهم إلى جيوش الأمصار فتكون هناك قوة مرهوبة منظمة مهيبة ضاربة تنهي تمرّد وعصيان الخوارج بسرعة دون سفك دماء كثيرة

■ في ضوء هذا نفهم سعي سيدنا عثمان في استنصاره بأهل الأمصار مع استسلامه لقدره ونهايته المشرقة ويقينه بأنه سيقضي شهيداً وهذا التدبير من قدر الله فهو من باب دفع القدر بالقدر

كما قال سيدنا عمر(نفرُّ من قدر الله إلى قدر الله_ حين طاعون عمواس_)

●●●● ويعتقد بعض المؤرخون أن الأمصار قد علمت بالحصار وفعلت لوحدها كما فعل الصحابة بالمدينة (أي أنهم نصروه وساروا إليه من تلقاء أنفسهم بدون أمر منه )

لكن رواية الطبري عن سيف بن عمر وجدناها منصفة بكثير من الأحداث المتعلقة بالفتنة هذه فأخذنا بها وشرحها كتاب عبد الستار الشيخ كما قدمنا أعلاه.

☆☆ فأتى الكتاب أهلَ الأمصارفخرجوا على الصعبة والذّلول فبعث سيدنا معاويةُ بن أبي سفيان  حبيب بن مسلمة الفهري في جيش 

☆☆ وبعث عبد الله بن سعد قبل أن يغادر مصر كما اسلفنا جيش وكان قد رأى السبئيين متجهين المدينة فاستحث الناس لنصرة الخليفة

☆☆ وبعث أهل البصرة جيشاً 

☆☆ وخرج سيدنا القعقاع بن عمرو في جيش من الكوفة.

.

((وقام الصحابة والتابعون بتحضيض الناس على نصرة أمير المؤمنين  فقام في الكوفة الصحابة :(سيدنا)عقبة بن عمرو وعبد الله بن أبي أوفى وحنظلة بن الربيع وغيرهم، ومن التابعين أصحاب سيدنا ابن مسعود _الذي كان أمير الحج بأمر سيدنا عثمان حينها _ يسيرون في الكوفة ويطوفون في مجالسهم ويقولون(يا أيها الناس إن الكلام اليوم وليس غداً ،وإن النظر يَحسُن اليوم ويَقبُح غداً ،وإن القتال يحلُّ اليوم ويحرُم غداً ، انهضوا إلى خليفتكم وعصمة أمركم))


وقام في البصرة سيدنا(عمران بن حُصين وأنس بن مالك وهشام بن عامر في أمثالهم من الصحابة يقولون مثل ما قال أهل الكوفة ومن التابعين قام آخروم بالحث على النصرة)


وقام في الشام من الصحابة سيدنا(عبادة بن الصامت وأبو الدرداء وأبو أمامة ومن التابعين كثير)


وفي مصر قام سيدنا خارجة وصحابة آخرون وغيرهم من التابعين 

كلهم يستنفر الناس لنصرة أمير المؤمنين المُحاصَر

(روى ذلك الطبري وابن كثير  )


وكذلك قفل الناس من الحج وعزموا على الرجوع إلى المدينة ليدافعوا عن أمير المؤمنين

فوصلت أخبار قدوم أمداد الجيوش والحجيج إلى المنحرفين والخوارج السبئيين فعند ذلك حسموا أمرهم  وانتهزوا الفرصة وأسرعوا في تنفيذ ما تبقى من جريمتهم  وهذا سنناقشه بقادم الفقرات


 

26_ مدة الحصار وتشديده على سيدنا عثمان

■ القول الراجح أن مدة الحصار كانت أربعين ليلة  فقد قدم المصريون هلال ذي القعدة وحدثت مع أمير المؤمنين محاورات كما قدمنا استغرقت أياماً ثم بدؤوا الحصار 

■ بعد أن سمع السبئيون بقدوم الجيوش والتي بعضها وصل خيبر قاموا بتشديد الحصار ومنع دخول الماء والطعام والناس على سيدنا عثمان كان رضي الله عنه قد أمر المدافعين عنه أن يخرجوا سالمين مسلوماً  منهم وأذن لهم أن يكونوا في الدار ومحيطين بها وعند الباب وكان فيهم سيدنا (الحسن والحسين ابنا سيدنا علي، ومحمد بن طلحة ، وابن عمر وأبو هريرة ومروان بن الحكم ) وثاب إليهم ناس كثير وقيل أنهم 700 نفس مع سيدنا عثمان في الدار

وكان أميرهم سيدنا عبد الله بن الزبير ، وشباب الصحابة وأبناؤهم كلهم شاكي السلاح كما أسلفنا.

■ وأمير المؤمنين يكرر على إخوانه ومناصريه :أنشُد الله رجلاً أهراق فيّ دماً  ومن كانت لي عليه طاعة ألا يقاتل

ويعبر عن ذلك قول سيدنا كعب بن مالك كما في المستدرك

فكفّ يديه ثم أغلق بابهُ.......وأيقن أن الله ليس بغافلِ

وقال لأهل الدار لا تقتلوهمُ ...عفا الله عن كلِّ امرئٍ لم يقاتلِ


■ جاء سيدنا عبد الله بن سلام إلى تلك العصابة المارقة

فقال لهم(إن الملائكة لم تزل محيطة بمدينتكم هذه منذ قدمها ‏رسول الله ﷺ إلى اليوم ، والله لئن قتلتموه لتذهبن ثم لا تعود إليكم أبداً . وإن السيف لم يزل مغموداً فيكم فوالله لئن قتلتموه ليسُلنه الله عليكم ثم لا يُغمده عنكم أبداً _أو قال إلى يوم القيامة) مصنف ابن شيبة  وفضائل الصحابة لأحمد

■ لكن أولئك الملاعين ما كانوا يريدون وجه الله وقد هيمن عليهم غدرهم وإجرامهم وصدق عليهم إبليس ظنّه

وساق الطبري كيف منعوا الماء والطعام فأرسل سيدنا عثمان إلى سيدنا علي بأنهم قد منعونا الماء وأرسل إلى سيدنا طلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة وأزواج النبي ﷺ  ، فلم يرض الخوارج بأن يدخلوا له الماء ولا الطعام  وقالوا لسيدنا علي بعد أن قدم إليهم : لا نتركه يأكل ولا يشرب  فقال لهم: إن الذي تصنعون لا يشبه أمر المؤمنين ولا أمر الكافرين لا تقطعوا عن هذا الرجل  المادة فإن الروم وفارس لتأسر فتُطعم وتسقي !

وجاءت أم المؤمنين أم حبيبة على بغلةٍ لها برحالة مشتملة على إداوة(مادة تحفظ الماء) فضربوا وجه بغلتها وردوها !

■ ويروي ابن سعد أن السبيئون منعوا سيدنا علي من القدوم إلى سيدنا عثمان حين طلبه  (روى راشد بن كيسان وغيره  أن عثمان بعث إلى علي وهو محصور في الدار أن أئتني فقام علي ليأتيه فقام بعض أهل علي حتى حبسه وقال: ألا ترى ما بين يديك من الكتائب ، لا تخلُص إليه؟؟ وعلى عليٍّ عمامةٌ سوداء فنقضها على رأسه ثم رمى بها إلى رسول عثمان وقال: أخبره بالذي قد رأيت! ثم خرج علي من المسجد حتى انتهى إلى أحجار الزيت) طبقات ابن سعد ومنصف ابن ابي شيبة

■وفي رواية عن كِنانة مولى أم المؤمنين صفية قال(كنتُ أقود بصفية بنت حيي لترُدّ عن عثمان فلقيها الأشتر فضرب وجه بغلتها حتى مالت، فقالت ردُّوني، لا يفضحني هذا الكلب! قال فوضعت خشباً بين منزلها ومنزل عثمان تنقل عليه الطعام والشراب) طبقات ابن سعد وتاريخ المدينة .

إلى غير ذلك من روايات التشديد الكبير على سيدنا عثمان وهو صابراً محتسباً لم يتوقف عن موعظتهم وتأنيبهم وترغيبهم وترهيبهم  حتى لا يترك لهم أثارة من عذر أو حجة عند الله تعالى وعند المؤمنين


((يظهر لنا تشديدهم الخناق على كبار الصحابة ومراقبتهم وتقييدهم لحركة أمهات المؤمنين )) 


 

27_ الساعات الأخيرة قبل استشهاد سيدنا عثمان

●●روى ابن حبان في صحيحه والبويصيري وعبد الله بن أحمد في زوائد فضائل الصحابة 

 ((إن سيدنا عثمان أشرَف عليهم (الخوارج والمنحرفين) مرةً أخرى فوعَظَهم وذكَّرهم فلم تأخُذْ فيهم الموعظةُ وكان الناسُ تأخُذُ فيهم الموعظةُ أولَ ما يَسمَعونَها فإذا أُعيدَتْ عليهِم لم تأخُذْ فيهم قال: ثم إنه فتَح البابَ ووضَع المصحفَ بين يدَيه وذاك أنه رأى النبيَّ ‏ ﷺفقال له: يا عثمانُ أفطِرْ عندَنا الليلةَ ))

●●وروى الإمام أحمد في مسنده وعبد الله بن أحمد في زوائد فضائل الصحابة وغيرهم عن مسلم أبي سعيد مولى سيدنا عثمان (( أنَّ عثمانَ بنَ عفَّانَ أعتَق عشرينَ عبدًا مملوكًا ودعا بسراويلَ فشدَّها عليه ولم يلبَسْها في جاهليَّةٍ ولا إسلامٍ وقال إنِّي رأَيْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم البارحةَ في المنامِ وأبو بكرٍ وعمرُ قالوا لي اصبِرْ فإنَّك تُفطِرُ عندَنا القابلةَ ثُمَّ دعا بمصحفٍ فنشَره بين يدَيْه فقُتِل وهو بينَ يدَيْه))

□□قال ابن كثير في البداية والنهاية إنما لبس السروايل في هذا اليوم لئلا تبدو عورته إذا قُتل فإنه كان شديد الحياء فكانت تستحي منه ملائكة السماء كما نطق بذلك النبيﷺ


●●روى ابن عساكر في تاريخه وابن سعد في طبقاته وغيرهم عن كثير بن السلط قال:(نام عثمان في ذلك اليوم الذي قُتل فيه، وهو يوم الجمعة ، فلما استيقظ قال: لولا أن يقول الناس تمنى عثمان أمنية لحدثتكم حديثاً! قال: قلنا: حدثنا أصلحك الله فلسنا نقول كما يقول الناس. 

قال: رأيت ‏رسول الله ﷺ في منامي هذا فقال: إنك شاهدٌ معنا الجمعة)

روى الطبري في تاريخه أن سيدنا عثمان اتخذ القرآن في تلك الأيام نحباً (النحب يعني الهمة والدأب والبرهان) ، يصلي وعنده المصحف ، فإذا أعيا جلس فقرأ فيه

□□ هكذا كان أمير المؤمنين طمأنينة وقرآن وصيام وصلاة ورؤية ل‏رسول الله ﷺ يبشره،  وعتق للرقاب  ، والصحابة وأبنائهم في عنفوان وحماسة للدفاع والذوذ عن الخليفة والخلافة،  والمؤمنون في منى قضوا مناسكهم وجدّوا السير لنجدة أمير المؤمنين المحصور  أمّا المنافقون والسبئيون فهم على تنفيذ خططهم وما تبقى من جريمتهم عازمون

ساعدنا بالفقرة كتاب عبد الستار الشيخ


 

 28  _ استشهاد سيدنا عثمان  /مُبكي/

اتخذ البُغاة المجرمون قرارهم بقتل سيدنا عثمان فانتدبوا رجل منهم فدخل على سيدنا عثمان فقال له : اعزل نفسك وندعك فأبى سيدنا عثمان وقال (لستُ خالعاً قميصاً كسانيه الله عز وجل) فرجع الرجل إليهم فقالوا له: ما صنعت؟ قال عَلِقنا (أُخِذنا) والله ما يُنجينا من الناس إلا قتله وما يحلّ لنا قتله!

وأدخلوا رجلاً آخر من بني ليث فعاد  وأدخلوا رجل من قريش فذكّره سيدنا عثمان باستغفار ‏رسول الله ﷺ له ،فاستغفر الرجل ورجع 

■أسرعوا فحملوا النيران إلى منزل سيدنا عثمان فأحرقوا الباب والسقيفة حتى إذا احترق الخشب خرّت السقيفة على الباب وأسرع الناس لإطفاء الحريق ونادى سيدنا عثمان (ما بعد الحريق شيء  ، وما احترق الباب ألا لما هو أعظم منه، لا يحركنّ رجل منكم يده ومن كانت لي عليه طاعة فليمسك داره فإنما يريدني القوم)

■ ولمّا حلّت الكارثة أسرع من عند سيدنا عثمان للدفاع عنه وسيدنا عثمان يقرأ القرآن ما تركه وافتتح (طه ۝ مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ۝ ) وما فزع لما حصل يقرأ وما يخطئ وما يتتعتع .

فخرج سيدنا (الحسن وابن الزبير ومحمد بن طلحة ومروان بن الحكم وسعيد بن العاص والمغيرة بن الأخنس بن شريق وأبو هريرة ) وغيرهم فاجتلدوا مع القوم  

☆وقال سيدنا الحسن بن علي مسفّهاً عمل الخارجين

لا دينهم ديني ولا أنا منهمُ.....حتى أسيرَ إلى طمار شمامِ

شمامِ(جبل أشمّ لا ينجو من سقط منه)

☆وقال سيدنا محمد بن طلحة بن عبيد الله 

أنا ابن ما حامى عليه بأُحُد....وردّ أضراباً على رغم معدّ

يقصد أبيه حين دافع دفاعاً شرساً عن ‏رسول الله ﷺ يوم أُحد

☆وقال سيدنا سعيد بن العاص

صبرنا غداة الدار والموت واقبُ....بأسيافنا دون ابن أروى نُضاربُ

وكنّا غداة الرَّوعِ في الدار نُصرةً....نشافهُهُم بالضرب والموتُ ثاقبُ

وقام سيدنا عثمان ينهنههم ويطلب منهم أن يغادروا فكان آخر من خرج سيدنا عبد الله بن الزبير وأمره أن يأتي أهل الدار فيأمرهم أن ينصرفوا إلى منازلهم وأقبل سيدنا عثمان على القرآن  ولم يبق معه إلا أهل بيته .

وقرأ (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)


■ فهاج المجرمون وماجوا وأطلقوا آخر ما في جعبتهم فتسوروا دار عمرو بن حزم_مجاورة لدار سيدنا عثمان_ ودخلوا بغير إذن  واقتحموا عليه وقد خلا من حراسه والمدافعين عنه وكان فيمن دخل عليه : قُتيرة السكُوني وسُودان بن حُمران والغافقي بن حرب وعمرو بن الحمق وكلثوم بن تُجيب والموت الأسود(والله أعلم أنه ابن سبأ وهذا اسم حركي له فكان حريصاً على أن يراقب من وراء ستار دون الظهور) وكِنانة بن بِشر  ومحمد بن أبي بكر الصدّيق وقيل أن محمد هذا عاد ولم يشترك بالقتل وإنما أشار لرجلٍ كان معهم

■هجموا على سيدنا عثمان فمنهم من يجؤُه بنعل السيف وآخر يلكزه والمصحف الشريف بين يديه يقرأ في سورة البقرة وهم يهابون قتله فانقض عليه (الموت الأسود) فخنقه خنقاً شديداً وضربه الغافقي بحديدة كانت معه ورفع أحدهم سيفه فاتقاه سيدنا عثمان بيده فقطعها فقال سيدنا عثمان (أما والله إنها لأول يدٍ خطّت المفُصّل) يعني خطت السور القرآنية من سورة ق إلى آخر المصحف

■وجاء رجل بمشاقص فوجأه في ترقُوته فقال سيدنا عثمان(بسم بالله توكلنا على الله) وإذا بالدم يسيل على لحيته يقطُر فاتكأ على شقه الأيسر وهو يقول(سبحان الله العظيم) وهو في ذلك يقرأ المصحف والدم يسيل على المصحف حتى وقف الدم عند قوله تعالى(فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) 

■وضربوه ضربة  واحدة فرفع كِنانة بن بشر مشاقص كانت بيده فؤجأ بها أصل أذن سيدنا عثمان فمضت حتى دخلت في حلقه ثم ضرب جبينه ومقدّم رأسه بعمود حديد فخرَّ لجنبه ، فجاء سُودان بن حمران ليضربه فانكبت عليه زوج سيدنا عثمان نائلة بنت الفرافِصة واتقت السيف بيدها فتعمدها سودان ونفح أصابعها فقطع أصابع يدها وولّت  وضرب عثمان بعدما خرّ لجنبه فقتله ووثب عمرو بن الحمق على صدره وبه رمق فطعنه تسع طعنات وقال: فأما ثلاثٌ منهن فإني طعنتهن إياه لله وأما ست فإني طعنتهنّ لما كان في صدري عليه !! ((وحوش بشرية سبئية رفضونية))

■ ودخل غلمة سيدنا عثمان لينصروه وكان قد أعتق من كف يده منهم فلما رأوا سُودان قد ضربه أهوى بعضهم عليه فضرب عنقه فقتله فوثب قُتيرة على الغلام فقتله وانتهبوا ما في البيت وأخرجوا من فيه ثم أغلقوا الباب على ثلاثة قتلى فلما خرجوا إلى الدار وثب غلام آخر لسيدنا عثمان على قُتيرة فقتله 

■ونادى منادي القوم أيحلُ دم عثمان ولا يحل ماله!!! فانتهبوا كل شيء وأخذوا ما في الدار وكان شيئاً عظيماً حتى تناولوا ما على النساء وأخذ كلثوم بن تُجيب مُلاءة نائلة وقال: ويح أمّك من عجيزة ما أتمّك! وبصُر به غلام سيدنا عثمان فقتله وقُتل

■ثم تنادوا في الدار أدركوا بيت المال لا تُسبقوا إليه  فسمع أصحاب بيت المال أصواتهم فقالوا: النجاء ! إن القوم يريدون الدنيا فهربوا وأتى القتلة بيت المال فانتهبوه 

■وأُخرج من الدار أربعةٌ من شبان قريش ملطخين بالدم محمولين كانوا يدرؤون عن سيدنا عثمان وهم سيدنا (الحسن وعبد الله بن الزبير ومحمد بن حاطب ومروان بن الحكم) 

وكان من أعيان من قُتل من أصحاب سيدنا عثمان سيدنا (زياد بن نعيم الفهري والمغيرة بن الأخنس بن شريق ونيار بن عبد الله الأسلمي)

لخّصت هذه الفقرة عن طبقات بن سعد ومصنف ابن أبي شيبة وصحيح ابن حبان ومختصر ابن عساكر والبداية والنهاية 

لعنة الله على قتلة سيدنا عثمان وأتباعهم 


29_ مواقف الصحابة من مقتل سيدنا عثمان و برائتهم من دمه


حقق مساعير الشر ورؤوس الفتنة هدفهم واستشهد الخليفة الراشد ذي النوريين على يد مردة السبئيين والمنحرفين 

ففاق الكثير من الرعاع الغوغائيين الذين كانوا يتبعونهم بعد أن رأوا سيدنا عثمان مضرجاً بدماءه الزكية ولسان حالهم (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا)

أما  الصحابة :

فقد استنكروه جميعاً حاضرهم وغائبهم رجالهم ونساؤهم وتبرؤوا من التأليب على سيدنا عثمان وإراقة قطرة من دمه وحزنوا عليه حزناً بلغ حداً حارت معه عقولهم وانخلعت له قلوبهم وأثنوا على الخليفة الشهيد وبكوا عليه ورثَوْه ولعنوا قاتليه وتبرؤوا منهم  وشواهد ذلك كثيرة جداً نذكر منها :


بدايةً  موقف سيدنا علي بن أبي طالب

¤¤ روى ابن كثير  في البداية والنهاية وابن شبة في تاريخ المدينة عن أبي جعفر الأنصاري قال (لمّا دُخل على عثمان يوم الدار، خرجتُ فملأت فُرُوجي (يعني مسرعاً) فمررت مجتازاً بالمسجد فإذا رجلٌ قاعدٌ في ظلة النساء عليه عمامة سوداء ، وحوله نحو من عشرة فإذا هو علي، فقال: ما صنع الرجل ؟ قلتُ: قُتل الرجل ، قال: تباً لهم آخر الدهر.)


¤¤(قال ابن عباس رحمه الله : سعمت عليّاً يقول حين قُتل عثمان ، والله ما قتلتُ ولا أمرتُ ولكن غُلبت ! يقول ذلك ثلاثاً)رواه ابن عساكر في تاريخه وابن سعد في طبقاته و ابن شبة في تاريخ المدينة وابن كثير في البداية والنهاية


¤¤{وقال محمد بن الحنفيّة(ابن سيدنا علي من غير فاطمة عليها السلام)  : سمعتُ أبي ورفع يديه حتى يُرى بياض إبطيه وقال : اللهم العن قتلة عثمان في البرّ والبحر والسهل والجبل ثلاثًا يرددها}  فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل رحمه الله و تاريخ المدينة لابن شبة


¤¤رُوي في المستدرك و عند ابن عساكر وأبو نعيم في الإمامة  عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ : شَهِدْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْجَمَلِ يَقُولُ : كَذَا اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ ، وَلَقَدْ طَاشَ عَقْلِي يَوْمَ قُتِلَ عُثْمَانُ ، وَأَنْكَرْتُ نَفْسِي وَأَرَادُونِي عَلَى الْبَيْعَةِ ، فَقُلْتُ : وَاللَّهِ إِنِّي لَ أَسْتَحْيِي مِنَ اللَّهِ أَنْ أُبَايِعَ قَوْمًا قَتَلُوا رَجُلًا ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلَا أَسْتَحْيِي مِمَّنْ تَسْتَحْيِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ ، وَإِنِّي لَأَسْتَحْيِي مِنَ اللَّهِ أَنْ أُبَايِعَ وَعُثْمَانُ قَتِيلٌ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يُدْفَنْ بَعْدُ ، فَانْصَرَفُوا ، فَلَمَّا دُفِنَ رَجَعَ النَّاسُ إِلَيَّ فَسَأَلُونِي الْبَيْعَةَ ، فَقُلْتُ : اللَّهُمَّ إِنِّي مُشْفِقٌ مِمَّا أَقْدَمَ عَلَيْهِ ثُمَّ جَاءَتْ عَزِيمَةٌ ، فَبَايَعْتُ ، فَلَقَدْ قَالُوا : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَكَأَنَّمَا صُدِعَ قَلْبِي ، فَقُلْتُ : اللَّهُمَّ خُذْ مِنِّي لِعُثْمَانَ حَتَّى تَرْضَى

◇ومعنى خذ مني لعثمان حتى ترضى : هذا من ورع سيدنا علي ونبله وتبرّئه من دمه وإسلامه للقتلة ومع كل ما قام به كان يخشى أن يكون قد قصّر


¤¤ وروى ابن شبة  عن محمد بن علي المعروف بابن الحنفيّة أن سيدنا علي قال يوم الجمل اللهم كب اليوم قتلة عثمان لوجوههم  وكذلك رُوي القول في سنن البيهقي

◇◇وقد زوّر المبتدعة روايات تدّعي معونة سيدنا علي لقتلة سيدنا عثمان وقد قال عنها الحاكم : أنها زور وكذب وقد تواترت الأخبار بخلافها

 نكتفي بهذه الأقول عن سيدنا علي رضي الله عنه ويوجد الكثير الكثير من الأقوال له بالبراءة من مقتل سيدنا عثمان ولعنه لقتلته واستنكاره لهذا الفعل السبئي المشين 

●●وفي هذا الباب الكثير من متقدمي بني رفضون وأشباههم يتهمون الصحابة بمعونة القتلة وتلك روايات عمل عليها متقدميهم والكثير من أتباعهم اليوم ونحن نذكر الصحيح كما في كتب أهل السنة والجماعة وسنتبع هذه الفقرة بأقوال لثلة من الصحابة الكِرام في هذا الشأن،  ومن باب أميتو الباطل بالسكوت عنه لن نذكر ونفنّد روايات أحفاد ابن سبأ ،  فالصحيح هو ما سنذكره فقط بإذن الله




30_ أيضاً مواقف_الصحابة_الكِرام_من_مقتل سيدنا عثمان

نذكر عدد منها فمنهم :

■سيدنا الزبير بن العوام

روى ابن عساكر والطبري ((أتى الزبير الخبر بمقتل عثمان وهو حيث هو فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، رحم الله عثمان. وانتصر له وقيل له: إن القوم نادمون. فقال: ذئروا ذئروا "(دبّروا دبّروا) وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب "))

■سيدنا طلحة بن عُبيد الله

 (أتى طلحة الخبر فقال: يرحم الله عثمان وانتصر له وللإسلام، وقيل له: القوم نادمون، فقال: تباً لهم وقرأ " فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون " ) الطبري ومختصر ابن عساكر

■سيدنا سعد بن أبي وقاص

روى ابن عساكر والطبري  ((وطلب سعد فإذا هو في حائطه، وقال: لا أشهد قتله. فلما جاءه قتله قال: فررنا إلى المدينة بديننا فصرنا اليوم نفر منها بديننا، وقرأ: أولئك " الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً " . اللهم أندمهم ثم خذهم. )) وقد أخذهم الله عز وجل فما  مات منهم أحداً إلا مقتولاً  فسيدنا سعد مُجاب الدعوة


■أم المؤمنين عائشة 

كثيرة هي الأقوال التي تواترت عن السيدة الطاهرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالثناء على سيدنا عثمان وبراءتها من الكتب المزوّرة على لسانها ومن دمه ومن التأليب عليه وكانت تبكي حتى تبل خمارها

روى ابن شبة في تاريخ المدينة وروى غيره عن طلق بن خُشاف قال (أتيتُ عائشة فقلت : فيمَ قُتل أمير المؤمنين؟ قالت : قُتل مظلوماً لعن الله قاتليه أقاد الله ابن أبي بكر به ، وأهراق دم ابني بُديل على ضلالة ورمى الأشتر بسهم من سهامه وساق إلى أعين بني تميم هواناً في بيته. قال: فما منهم أحداً إلا أصابته دعوتها)

[ابني بديل هما عبد الله وعبد الرحمن ابنا بُديل بن ورقاء،  وأعين هو أعين بن أصيبعة المجاشعي]


وروى ابن شبة أنها قالت (تركتموه كالثوب النقي  من الدنس استحللتم منه الفَقَر الثلاث ، حُرمة الخلافة وحرمة الشهر وحرمة البلد فقتلتموه)


■سيدنا سعيد بن زيد

روى البخاري في صحيحه قول قيس بن أبي حازم قال :(سَمِعْتُ سَعِيدَ بنَ زَيْدٍ، يقولُ لِلْقَوْمِ: لو رَأَيْتُنِي مُوثِقِي عُمَرُ علَى الإسْلَامِ، أنَا وأُخْتُهُ، وما أسْلَمَ، ولو أنَّ أُحُدًا انْقَضَّ لِما صَنَعْتُمْ بعُثْمَانَ، لَكانَ مَحْقُوقًا أنْ يَنْقَضَّ)

■سيدنا حذيفة بن اليمان

روى ابن سعد في طبقاته عن محمد بن سيرين أن حذيفة بن اليمان قال(اللهم إن كان قتلُ عثمان خيراً فليس لي منه نصيب وإن كان شرّاً فإني منه برىء ، والله لئن كان قتله خيراً ليحلُبُنَّها لبناً، ولئن كان قتله شرّاً ليمتصُّنَّ بها دماً)

وروى أيضاً عن ميمون بن مهران قال(لمّا قُتل عثمان قال حذيفة هكذا وحلّق بيده _يعني عقد عشرة_ وقال : فُتق في الإسلام فتقٌ لا يرتُقُه جبلٌ)

وأقوال كثيرة له  نكتفي بهذين

■سيدنا عبد الله بن عباس

روى ابن سعد في طبقاته وابن شبة في تاريخه قول ابن عباس (لو أجمع الناس على قتل عثمان لرُموا بالحجارة كما رُمي قوم لوط)

ورووا أيضاً أنه خطب بالناس ذات يوم بالبصرة فقال (لو لم يطلب الناس بدم عثمان لرُموا بالحجارة من السماء)

■سيدنا عمرو بن العاص

روى الطبري في تاريخه أنه لمّا بلغ سيدنا عمرو بن العاص الخبر قال(رحم الله عثمان ورضي الله عنه ثم ارتحل راجلاً يبكي كما تبكي المرأة ويقول: واعثماناه! أنعي الحياء والدين! ) وكان قد ارتحل من المدينة إلى الشام مع ابنيه

■سيدنا عبد الله بن سلام

روى ابن سعد في طبقاته أن سيدنا عبد الله بن سلام قال لما قُتل عثمان اليةم هلكت العرب 

وقال إيضاً : والله لا تُهرقون محجماً من دم إلا ازددتم به من الله بعداً

وله أقوال كثيرة تقدم ذكر بعضها

■سيدنا أبو هريرة

روى ابن شبة وابن عساكر قول أبي مريم قال (رأيتُ أبا هريرة يوم قُتل عثمان وله ضفيرتان وهو ممسكٌ بها وهو يقول: اضربوا عُنقي ، قُتل والله عثمان على غير وجه الحق)

●●●●وهناك الكثير الكثير من أقوال جمهور الصحابة الكِرام  المناصرة لسيدنا عثمان والتي تُبين لنا براءتهم من دمه وعدم رضاهم بما وقع له

وغضبهم على الخوارج والمنحرفين وتفنّد إدعاءات بني رفضون التي تفتري على أولئك الأماجد رضوان الله عليهم أجمعين


 

31_ سيدنا عثمان لم يكن ضعيفاً في مواقفه من الخوارج والقتلة

○○زعم لفيفٌ من المؤرخين وخاصة المعاصرين أن أمير المؤمنين عثمان كان ضعيفاً عاجزاً متهاوناً في سياسته  للدولة بدءاً من عشيرته وأقاربه ثم ولاته وتضاعف ضعفه في موقفه من الفتنة منذ أطلّت برأسها إلى أن صلُب عودُها واشتدّ بأسُها 

●● وقد قدمنا بطلان الفرية الأولى حينما تكلمنا عن سياسته العامة وحركات الانتقاض في أطراف الدولة وذكرنا عزماته ووقفاته السديدة الحازمة  حيال ذلك

○○ ونقف هنا مع ما افتُري على ذي النورين في موقفه من الفتنة والخوارج السبئيين الذين تمادوا في غيّهم وضلالهم حتى سفكوا دم أمير المؤمنين

1_ لقد كان سيدنا عثمان في موقف يكنفُه فيه عزّ الخلافة وسلطانها وتحوطه حميّة العشيرة وسطوتها أجلبت عليه الحوادث بخيلها ورَجِلها وتدافعت إلى بابه بقضِّها وقضِيتها؛ أفتراه عاجزاً عن التنكيل بهؤلاء الخارجين  والأمر في بدئه كان لا يزال محصوراً في نفر ليس لهم حرمةُ سبقٍ إلى الإسلام ولا تقدّم في الهجرة وإنما هم أحلاس فتنة ومطايا الشياطين من أضراب ابن سبأ وحزبه؟

وقد قال له أهل المدينة وهم جمهور الصحابة لمّا انكشف لهم وله حالُهم معه ، وظهر خبثُ نيّاتهم نحوه: اقتلهم فأبى إلا أن يصبر ويعفو.

2_ وهل كان سيدنا عثمان عاجزاً على أن يتخذ لنفسه حماة وقادة أشداء القلوب يسلطهم على أبشار المخالفين بالجبر والقهر والجبروت ؟ ويطلق أيديهم في المناوئين فيسومهم سوء العذاب  ؟ وحوله جماعات من فتيان الصحابة وأبطال العرب ؟؟

3_ وهل كان سيدنا عثمان عاجزاً أن يستجيب للطلب بعد الطلب والرجاء بعد الرجاء من سيدنا(معاوية وابن الزبير وأسامة) في أن يغادر المدينة إلى مكة أو الشام أو أن يأتيه جيش يُقيم عنده  في المدينة للنوائب والطوارئ أو أن يخرج بمن معه فيقاتل أولئك الخوارج؟ وهو يرفض كل ذلك بأنه لن يترك دار هجرته ولا يذهب مكة خشية الإلحاد فيها ولا يريد أن يضيّق على أهل المدينة مدينتهم باستقدام جيش ولن يكون أول من يخلف ‏رسول الله ﷺ بسفك الدماء

4_ وهل كان سيدنا عثمان عاجزاً أن يُحدث للناس عقوبات ؟ كمثل من نقب بيتاً نقبنا عن قلبه ومن نبش قبراً دفناه فيه ولا تظهر من أحدكم ريبة بخلاف ما عليه عامتكم إلا ضربتُ عنقه ؟؟؟

●● كلا ما كان سيدنا عثمان عاجزاً عن هذا كله ولا عاجزاً عن أمثال هذا  ولا كان ضعيفاً ولا مستضعفاً

وقد أراد الخوارج ومن معهم منه خلع نفسه أو قتله فما اهتزت له شعرة كما وضحنا لأخر قطرة دم ممسكاً بالقرآن 

وكان معه ٧٠٠ رجل من الصحابة وشبابهم في عصابة مستبصرة مستنصرة يقودهم نفرٌ من ليوث الإسلام كالحسن والحسين وابن الزبير والمغيرة بن الأخنس  ومروان  فما زاد على إمساك أيديهم وكفّهم عن إراقة الدماء

●● لقد كان سيدنا عثمان في سياسته تلك خليفة راشداً يحجزه عدلُ الخلافة الراشدة عن مآثم الحكم الجبري والاستبداد الدموي  ولن يكون أول من سفك الدماء كما قال في عدة مواضع

○○ ولو حاربهم لأفنى كثرة الأمّة وعاش كما يعيش المتجبرون من بعده  ولسالت دماء طاهرة في صفوف الصحابة والمنافحين عنه ودماء فيها شبهة من أولئك الأغرار الغوغاء لا يدرون أين يُساقون

لكن ذا النورين كان خليفة راشد يسوس الناس بالعدل وراعياً شفيقاً يرعاهم بالرحمة والإحسان 

●● تجمهر في  الدار  وعند الباب كثيرٌ من أبطال الصحابة ولو أذن لهم سيدنا عثمان في الحرب لضربوهم حتى يُخرجوهم من أقطارها ولكن سيدنا عثمان أبى عليه إسلامه ويقينه وإخلاصه وفضله أن يقذف بالأمّة في أتون حرب طاحنة من أجل شخصه

وهو في كل ساعة يمسك بأيديهم !! هل هذا عجز يا أقلام السوء من بني رفضون وبني علمانج ؟؟

○○ أيةُ شجاعة نفسية وأي صبر يطلبه الناس وراء هذا ؟ إذا كانت الشجاعة هي ضبط النفس عند النوازل في غير قلق والصبر على المكاره من غير جزع ومصابرة الحوادث في غير سأم والثبات لجسام الأحداث بلا تزعزه فلم تنفرج الوالدات عن مثل سيدنا عثمان في شجاعته ورباطة جأشه وقوة يقينه وثباته في رأيه

فإن أحداً من الناس في مثل حال سيدنا عثمان وشأنه لم يلق ما لقي سيدنا عثمان ولا شيئاً منه ولم يصبر أحدٌ على ما لقي من البلاد والمحنة مثل ما صبر سيدنا عثمان . وكيف بصبر ينتهي بصاحبه على علم ويقين ورضا إلى الموت قتلاً؟


●●كان قوي الإيمان عظيم اليقين كبير النفس عبقري الشجاعة نبيل الصبر نفّاذ البصيرة ففدى الأمة بنفسه ووضع لها أعظم قواعد النظام في تكوينها الاجتماعي

رحمك الله يا سيدي ورضي عنك يا رابع عظماء هذه الأمّة



 

32_ كيف كانت نقمة الله عزّ وجلّ على قتلة سيدنا عثمان؟

مقدمة

قدمنا جزء يسير من التعريف بسيرورة أفعال هؤلاء الشرذمة اللعينة ، وكيف سفكوا دم الخليفة وكيف نهبوا داره واعتدوا على نساءه ، وفتقوا بالإسلام فتقاً عظيماً نواجه تداعياته ليومنا هذا، و انتهكوا حرمة مدينة ‏رسول الله ﷺ فنالوا اللعنة على لسان ‏رسول الله ﷺ كما في الحديث الصحيح في البخاري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن ‏رسول الله ﷺ قال:  (المَدِينَةُ حَرَمٌ ما بيْنَ عَيْرٍ إلى ثَوْرٍ، فمَن أحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، أوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعليه لَعْنَةُ اللَّهِ والمَلَائِكَةِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ، لا يُقْبَلُ منه يَومَ القِيَامَةِ صَرْفٌ ولَا عَدْلٌ. )  ورُوي في مسند أحمد 

▪︎▪︎ولا يختلف أحد أن هؤلاء الملاعين هم أول من أحدث بالمدينة وهم أول من انتهك حرمتها وأي انتهاك أعظم من قتل ذي النورين في الشهر الحرام والمكان الحرام ومُبشّر بالجنة!!

▪︎▪︎قال الحسن البصري رحمه الله (ما علمت أحداً أُشرك في دم عثمان ولا أعان عليه إلا قُتل) 

تاريخ المدينة لابن شبة 


▪︎▪︎وروى أحمد في كتاب الزُهد قول عَمرة بنت قيس العدوية قالت (ما مات منهم رجلٌ سوياً) تعني قتلة عثمان في حديث مطوّل 

▪︎▪︎وقد أقسم بعض السلف بالله أنه ما مات أحد من قتلة عثمان إلا مقتولاً (البداية والنهاية)

▪︎▪︎وكان نزول دم سيدنا عثمان الطاهر على قوله تعالى (فسيكفيكهم الله) فيه والله أعلم إيذان بأنه سبحانه سينتقم لعبده المظلوم من القتلة


▪︎▪︎روى ابن شبة في تاريخ المدينة

أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ دَخَلَتْ عَلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , وَهِيَ فِي خِدْرِهَا ، وَهُوَ مَحْصُورٌ , فَاطَّلَعَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فِي خِدْرِهَا فَنَعَتَهَا لِلنَّاسِ فَقَالَتْ : مَالَهُ قَطَعَ اللَّهُ يَدَهُ وَهَتَكَ عَوْرَتَهُ ؟ قَالَ : فَخَرَجَ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْهَزَاهِزِ فَقُطِعَتْ يَدُهُ ، وَذَهَبَ عَلَى وَجْهِهِ يَشْتَدُّ وَعَلَيْهِ إِزَارٌ فَوَقَعَ مِنْ عُنُقِهِ فَبَقِيَ عُرْيَانًا يَشْتَدُّ ، وَأَصَابَهُ مَا دَعَتْ عَلَيْهِ

#التفاصيل  الضال اللعين 

●عبد الله بن سبأ بقي على زندقته فحبسه سيدنا علي واستتابه ثلاثة أيام فلم يتُب فأحرقه بالنار في أحد عشر من جماعته ( ابن عساكر وبعض الرويات تقول أنه نفاه إلى المدائن بدايةً وبعدها حرّقه هناك مع أصحابه الأحد عشر. وأيضاً تم رواية تحريقه في  كتاب لسان الميزان لابن حجر العسقلاني   ) 

●اختبأ محمد بن أبي بكر في بيت امرأة بمصر فقبض عليه معاوية بن حُديج وقتله ثم جعله في جيفة حمار ميت فأحرقه بالنار ( ابن الأثير  والذهبي ومختصر ابن عساكر)


●وقال قتادة شقّ رجل من عبس لعثمان مطهرة فيها ماء فقال: اللهم أظمئه. قال: فركب الرجل البحر مع أصحاب له وكان ثقيلاً فنفذ ماؤهم فانتهوا إلى ساحل اليمن فخرجوا وخرج معهم وكانوا أخف منه فأدركهم العطش فمات عطشاً وفي رواية فمات وأكلت النسور بعضه (تاريخ المدينة ابن شبة)

●وسُجن ابن أبي حذيفة وجماعة بفلسطين وابن عديس ببعلبك وهربوا من السجن فتبعم والي فلسطين التابع لسيدنا معاوية بن أبي سفيان فقتلهم (الذهبي وغيره كلٌ حسب أسلوبه)

●والأشتر النخعي سار والياً إلى مصر حتى بلغ البحر الأحمر وكان قد بعثه سيدنا علي ، أُتي بشربة عسل فشربها فكان فيها حتفه فلما بلغ الخبر سيدنا علي قال: لليدين والفم!! أي : كبّه الله على وجهه ، وقال سيدنا عمرو بن العاص الذي سُرّ بهلاكه : إن لله جنوداً من عسل ( الذهبي ) 

●وقُتل حُكيم بن جبلة ومن كان معه من قتلة سيدنا عثمان في وقعة الجمل (الطبري)

● وعاش كُميل بن زياد وعُمير بن ضابئ إلى أيام ولاية الحَجّاج على العراق فضرب الحجّاج عُنقيمها(الطبري)  

● وقُتل قُتيرة السكوني وسُودان بن حُمران وكُلثوم بن تُجيب وذلك عند اقتحام الدار (سبق ذكره)

● روى ابن عساكر أن  محمد بن سيرين قال :

كنت أطوف بالكعبة وإذا رجل يقول : اللهم اغفر لي، وما أظن أن تغفر لي. 

فقلت : يا عبد الله ، ما سمعت أحدا يقول ما تقول .

قال : كنت أعطيت لله عهدا إن قدرت أن ألطم وجه عثمان إلا لطمته ، فلما قتل وضع على سريره في البيت والناس يجيئون يصلون عليه ، فدخلت كأني أصلي عليه ، فوجدت خلوة ، فرفعت الثوب عن وجهه ولحيته ، ولطمته ، وقد يبست يميني.

قال: فرأيتها يابسة كأنها عود . 

#صُحبة_الأجداد


33_ دفن سيدنا عثمان و حزن الصحابة والناس عليه

استشهد سيدنا عثمان في المدينة النبوية يوم الجمعة (18ذي الحجة سنة 35 للهجرة) تولى غسله سيدنا( جُبير بن مُطعم و المِسور بن مخرمة وحَكيم بن حِزام وابنه عمرو بن عثمان ) وزوجتاه نائلة وأم البنين ، وكفّنوه وصلوا عليه، و صلى عليه حكيم بن حزام وقيل سيدنا الزبير بن العوام بوصية سيدنا عثمان.

■وخرج به جماعة من الصحابة فيهم سيدنا (علي وطلحة والزبير وزيد بن ثابت وكعب بن مالك وجُبير بن مطعم وحكيم بن حزام وأبو جهم بن حذيفة العدوي )  وخرجت زوجتاه  وقيل أنهم دفنوه ليلاً  للعجز عن إظهار دفنه بسبب غلبة قاتليه لعنهم الله

■ ودُفن ليلة السبت بين المغرب والعشاء في ( حش كوكب)  ويعني ذلك بستان شرقي البقيع كان قد اشتراه سيدنا عثمان وزاده في البقيع 

■وأخرجوا عبْدي عثمان اللذين قُتلا معه في الدار فدُفنا إلى جانبه 

■وقد اعتنى سيدنا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه في أيام خلافته بقبر سيدنا عثمان فهدم الجدار بين حش كوكب  وبين البقيع وأمر الناس أن يدفنوا موتاهم حوله حتى اتصلت بمقابر المسلمين

■استشهد سيدنا عثمان وعمره اثنتان وثمانون سنة وقد بُويع بالخلافة يوم السبت غُرّة المحرم سنة (24 للهجرة) وقُتل في الثامن عشر من ذي الحجة سنة(35 للهجرة) فتكون مدة خلافته اثنتي عشرة سنة إلا اثني عشر يوماً

○○ملخص من تاريخ الطبري وطبقات ابن سعد  والبداية والنهاية ومساعدة كتاب عبد الستار الشيخ

حزن الصحابة وعامة_المسلمين_عليه

كان وقع المصيبة على نفوس وعامة المسلمين عظيماً فباتوا وقد جلّلهم الحزن وطاشت عقولهم وفاضت عيونهم بالدموع ولهجت ألسنتهم بذكر مناقبه والترحم عليه وسب قاتليه ورثائه بالأشعار الباكية!


1_روى ابن سعد في طبقاته قول أبو حُميد الساعدي لما قُتل عثمان(اللهم إن لك عليّ ألا أفعل كذا ولا أفعل كذا ، ولا أضحك حتى ألقاك) 

2_وروى أيضاً عن أبو معاوية أخبرنا الأعمش أن أبي صالح قال: (كان أبو هريرة إذا ذكر ما صُنع بعثمان بكى ، قال فكأني أسمعه يقول : هاه،  هاه ، ينتحب)

3_ وروى البخاري أن يَزِيدَ بنِ أبِي عُبَيْدٍ، قالَ: لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ، خَرَجَ سَلَمَةُ بنُ الأكْوَعِ إلى الرَّبَذَةِ، وتَزَوَّجَ هُنَاكَ امْرَأَةً، ووَلَدَتْ له أوْلَادًا، فَلَمْ يَزَلْ بهَا، حتَّى قَبْلَ أنْ يَمُوتَ بلَيَالٍ، فَنَزَلَ المَدِينَةَ.

4_وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه:

 من سره الموت صرفا لا مزاج له .....فليأت مأسدة في دار عثمانا 

مستحقبي حلق الماذي قد سفعت ..... فوق المخاطم بيض زان أبدانا

 ضحوا بأشمط عنوان السجود به ....يقطع الليل تسبيحا وقرآنا 

صبرا فدى لكم أمي وما ولدت ..... وقد ينفع الصبر في المكروه أحيانا 

وقال

وكأن أصحاب النبيّ عشيةً....بدنٌ تنحّرُ عند باب المسجدِ

فابْك أبا عمرو لحسنِ بلائه....أمسى مُقيماً في بقيع الغرقدِ

(الطبري وغيره)

5_ وروى ابن شبة في تاريخ المدينة أن سيدنا الحسن بن علي قال لقتلة سيدنا عثمان(لا مرحباً بالوجوه ولا أهلاً ، مشائم هذه الأمّة . من فتق فيها المفتق العظيم، أما والله لولا عزمة أمير المؤمنين علينا، لكان الرأي فيكم نابلاً) (النابل يعني الذي يرمي بالنبل والحاذق)

■والأخبار في هذا الباب كثيرة سبق وذكرنا بعضها وهذه جزء يسير منها

ساعدنا بهذا التفصيل مراجع عدة  وكتاب سيدنا عثمان لعبد الستار الشيخ

تم بحمد الله تعالى نسأله سبحانه الهداية وأن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا وينفع بنا















عن الكاتب

الكاتب

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

صُحبة الأجداد