نوضّح هاهنا مراسلات النبي عليه السلام للملوك وزعماء القبائل وكذلك نوضح بعض الوفود التي جاءت إلى رسول الله ﷺ وبعض الذين بعثهم إلى الملوك ورؤساء القبائل.
وفود الرسول
نستعرض هنا الوفود التي جاءت تبايع رسولنا الكريم وتشهر إسلامها بين يديه
وفد قيس
ممن وفد من قيس بني عامر فيهم عامر بن الطفيل وأربد بن قيس وكان بنو عامر قالوا لابن الطفيل: يا عامر إن الناس قد اسلموا فأسلم ، قال: والله لقد آليت أن لا أنتهي حتى تتبع العرب عقبي أفأنا أتبع هذا الفتى من قريش ثم سار إليها مضمراً غدراً فلم يفز برغبته ولم يسلم ومات بالطاعون وهو عائد.
وفد بني سعد بن بكر
وقدم عليه وفد بني سعد بن بكر وكان وافدهم ضمام بن ثعلبة وكان رجلاً جلداً ذا غديرتين فلما دخل المسجد ورسول الله ﷺ بين أصحابه قال: أيكم ابن عبد المطلب?
فقال رسول الله ﷺ : أنا ابن عبد المطلب ، قال : أمحمد؟ قال نعم، قال يا ابن عبد المطلب إني سائلك ومغلظ عليك في المسألة فلا تجدن عليّ في نفسك ، قال: لا أجد في نفسي فسل عما بدا لك، قال : أنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك الله بعثك إلينا رسولا؟ قال: اللهم نعم ، قال: فأنشدك الله.....الخ ، الله أمرك أن تأمرنا أن نعبده وحده ولا نشرك به شيئاً وأن نخلع هذه الأنداد التي كان آباؤنا يعبدون معه؟
قال: اللهم نعم، قال: فأنشدك الله ...الخ ، الله أمرك أن نصلي هذه الصلوات الخمس؟ قال: اللهم نعم، ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضة فريضة الزكاة والصيام والحج كلها حتى إذا فرغ قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله وسأؤدي هذه الفرائض وأجتنب ما نهيتني عنه ثم لا أزيد ولا أنقص ثم خرج حتى أتى قومه فما أمسى من ذلك اليوم وفي حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلماً بعد أن علمهم الإسلام وشرائعه.
وفد ربيعة بنو عبد القيس
وممن وفد عليه من ربيعة بنو عبد القيس رئيسهم الجارود بن بشر بن المعلى وكان نصرانياً فأسلم هو ومن معه وكان شديد التمسك بالإسلام.
وفد ربيعة بنو حنيفة
وممن وفد عليه من ربيعة بنو حنيفة ومنهم مسيلمة الذي لُقب بالكذاب بعد موت رسول الله ﷺ حين إدعى النبوة.
وفد قحطان
وممن وفد عليه من قحطان زيد الخيل يقدم وفد طيء فأسلموا وحسن إسلامهم وقال عليه السلام في زيد: ما ذكر لي رجل من العرب بفضل ثم جاءني إلا رأيته دون ما قيل إلا زيد الخيل فإنه لم يبلغ كل ما كان فيه ثم سماه زيد الخير وأقطعه فيداً وأرضين معه.
وفد طيء
ثم وفد إليه من طيء عدي بن حاتم الطائي فأسلم وحسن إسلامه وكانت وفادة أخته سبباً.
وفد مراد وزبيدة وكندة
ثم أقبل عليه وفد من مراد وزبيدة وكندة وقدمت عليه رسل ملوك حمير بإسلامهم وهم الحارث بن كلال وأخوه نعيم والنعمان قيل ذي رعين ومغافر وهمدان وبعث إليه زرعة ذو يزن مالك بن مرة الرهاوي بإسلامهم ومفارقتهم للشرك وأهله.
فكتب إليهم عليه السلام كتاباً بيّن لهم فريضة الزكاة وأرسل مع الكتب رسلًا من أصحابه يفقهون الناس في الدين.
وفد فروة بن عمر الجذامي
وممن كتب إليه بإسلامه فروة بن عمر الجذامي وكان عاملاً للروم على من يليهم من العرب وكان منزله معان من أرض الشام فلما بلغ الروم إسلامه أخذوه وحبسوه ثم قتلوه ولما قدموه ليُقتل قال:
بلغ سراة المسلمين بأنني....سلم لربي أعظمي ومقامي
وفد بني الحارث
ثم قدم عليه وفد بني الحارث بن كعب مع خالد بن الوليد مسلمين ولما سألهم عليه السلام : بم كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية ؟ قالوا له: كنا نجتمع ولا نفترق ولا نبدأ أحداً بظلم ثم قدم عليه رفاعة بن زيد الجذامي وافداً عن قومه وقدم وفد همدان يتقدمهم ذو المعشار المكنى بأبي ثور.
وفد ثقيف
وممن وفد من ثقيف وفداً يتقدمهم عبد ياليل بن عمرو فلما قدموا عليه ضرب لهم قبة من ناحية مسجده ثم حادثوه فيما يريدون من الإسلام وطلبوا منه أشياء أباها عليهم (الصلاة) وأشياء أعطاهم إياها ( أن لا يكسروا اصنامهم بأيدهم ).
وأرسل معهم أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة لهدم (اللات) وأمر عليهم عثمان بن أبي العاص منهم وكان أحدثهم سناً لأنه كان أعلمهم وأوصاه قبل رحيله بقوله: يا عثمان تجاوز في الصلاة وأقدر الناس بأضعفهم فإن فيهم الكبير والصغير والضعيف وذا الحاجة (راجع الحديث).
وفد بنو تميم
وممن وفد عليه بنو تميم وفد عليه أشرافهم منهم عطارد بن حاجب بن زرارة والأقرع بن حابس والزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم وقيس بن عاصم ولما قدم هذا الوفد إلى المسجد نادوا من وراء الحجرات أن اخرج إلينا يا محمد وفيهم نزل أول سورة الحجرات ولما خرج رسول الله ﷺ استأذنوه لخطيبهم أن يتكلم فخطب مفتخراً بقومه وعشيرته فأجابه على خطبته قيس بن شماس خطيب المسلمين وقد أثنى على خطبته المهاجرين والأنصار ثناءً دينياً ثم ألقى شاعرهم كلمة يفتخر بها وأولها:
نحن الكرام فلا حي يعادلنا....منا الملوك وفينا تنصب البيع
فقام حسان بن ثابت وأجابهم فقال:
إن الذوائب من فهر وإخوتهم....قد بينوا سنّة للناس تتبع
يرضى بهم كل ما كانت سريرته.....تقوى الأله وكل الخير يصطنع
قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم.....أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا
ولما فرغ حسان قال الأقرع بن حابس وأُبي: أن هذا الرجل لمؤتى له لخطبته أخطب من خطيبنا ولشاعره أشعر من شاعرنا ولأصواتهم أحلى من أصواتنا ولما فرغ القوم أسلموا وأجازهم عليه السلام.
هذا وقد أسلفنا بمقالات سابقة عمن هاجر معه وعن الأنصار وقليل من يهود المدينة.
وعليه قد دخل الناس في دين الله أفواجاً حتى كانت عديدهم في حجة الوداع أكثر من مائة ألف كلهم دانوا بهذا الدين في حياة رسول الله ﷺ والذين لم يكونوا معه في هذه الحجة أكثر منهم اضعافاً مضاعفة.
لكن لا يمكن القول أن الدين تمكن من أنفس هؤلاء بأسرهم لأن كان بينهم كثير من الأعراب الجفاة الذين أسلموا تبعاً لساداتهم.
أما الحاضرون منهم في المدينة ومكة وثقيف وكثير من اليمن والبحرين بشكل عام فقد كان الإسلام فيهم قوياً ومنهم كبار الصحابة وسادات المسلمين.
مراسلات الرسول الأكرم
ولما كانت دعوة رسول الله ﷺ عامة لم تقتصر على الجزيرة العربية بل أرسل كتبه ودعاته إلى الملوك ورؤساء الأمم يدعوهم للدين و حتى لا يكونوا ممن يصدون أو يقفون في وجه دعوته ، والمعروف أن بذلك الزمن الدعوة يجب أن تبدأ بالكبراء وذوي الزعامة.
مراسلة الروم
اختار من أصحابه رسلاً لهم معرفة وخبرة وأرسلهم إلى الملوك فاختار دحية الكلبي رسولاً إلى ملك الروم وكتب له كتاباً (بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، السلام على من اتبع الهدى. أما بعد أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين وإن تتول فإن إثم الأكارين عليك).
مراسلة صاحب دمشق
وبعث عليه السلام شجاع بن وهب من بني أسد بن خزيمة إلى المنذر بن الحارث بن شمر الغساني صاحب دمشق وكتب إليه (سلام على من اتبع الهدى وآمن بي إني أدعوك إلى أن تؤمن بالله وحده لا شريك له يبقى لك ملكك)
مراسلة النجاشي
وبعث عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي بكتاب يدعوه إلى الإسلام ويطلب منه أن يرسل جعفراً ومن معه من مهاجري الحبشة ففعل النجاشي ما طلب منه فأرسل جعفراً وأجاب إلى الإسلام كما أعلن بكتابه وقد صلى عليه النبي بالمدينة صلاة الغائب حينما بلغه وفاته (راجع الحديث).
مراسلة كسرى
وبعث عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى ومعه كتاب فيه ( بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلى الناس كافة لينذر من كان حياً ، أسلم تسلم فإن أبيت فإنما عليك إثم المجوس) فمزق كسرى كتابه فلما بلغ ذلك النبي عليه السلام قال: مزق الله ملكه.
ثم كتب كسرى إلى باذان عامله على اليمن ابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين من عندك جلدين فليأتياني به فاختار باذان رجلين من عنده وبعثهما بكتاب إلى رسول الله يأمره أن ينصرف معه إلى كسرى. فقدما المدينة وأخبراه بمحتوى الكتاب.
وفي ذلك الوقت كان ابن كسرى قد انقلب عليه وقتله وأخذ الملك لنفسه وعلم بذلك رسول الله ﷺ الخبر من الوحي فأخبرهما بذلك فقالا: هل تدري ما تقول؟ إنما نقمنا عليك مما هو أيسر من هذا، أفنكتب هذا عنك ونخبر الملك؟ قال نعم أخبراه ذلك عني وقولا له: إن ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ كسرى وينتهي إلى منتهى الخف والحافر ، وقولا له: إن أسلمت أعطيتك ما تحت يدك وملكتك على قومك من الأبناء فخرجا من عنده حتى قدما على باذان فأخبراه الخبر.
وبعد قليل جاء كتاب بقتل ابن كسرى لأبيه وفيه كتاب من ابن كسرى يطلب منه أن ينتظر أوامره ، وكان ذلك سبباً في إسلام باذان ومن معه من أهل فارس باليمن وهم الأبناء.
مراسلة المقوقس
وبعث حاطب بن أبي بلتعه إلى المقوقس عظيم مصر فلم يسلم ولم يبعد وهو الذي بعث إلى رسول الله ﷺ بمارية القبطية أم إبراهيم رضي الله عنها فكان بذلك الرحم التي بين العرب وأهل مصر.
مراسلة أخرى
بعث سليط بن عمرو العامري إلى هوذة بن علي الحنفي وبعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن سارى صاحب البحرين ، وعمر بن العاص إلى جيفر وأخيه عباد الأزيديين.
بذلك كان عليه السلام قد بلّغ الدعوة إلى أكثر ملوك الأرض وكان ذلك سبباً في إجابة البعض وشاغلاً لفكر الآخرين.
صلى الله عليه وسلم بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الغمة.