نحتاج لمجلدات ضخمة لتبيان صفاته وأخلاقه صلى الله عليه وسلم ونوردها بلمحة عامة هنا ، ونذكر بأنه مما كان سبباً في نجاح الدعوة ما امتاز به رسول الله ﷺ من جمال خَلقه وكمال خُلقه وقد كان بعض المدعوين لا يحتاج إلى دليل على صدقه فوق ما هو معروف عنه من الفضائل.
وسنوضح ما كان عليه الرسول ﷺ من الأخلاق والعادات:
●النظاقة الظاهرة
كان قد خصّ من النظافة بما لم يكن لغيره ، وكان يحب الطيب حتى إنه لم يكن يمر في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه سلكه من طيبه. وكان يصافح المصافح فيظل يومه يجد ريحها الطيبة.
●العقل والذكاء
لا جدال بأنه عليه السلام كان أعقل الناس وأذكاهم ومن تأمل تدبيره أمر بواطن الخلق وظواهرهم وسياسته العامة والخاصة فضلاً عما أفاده من العلم وقرره من الشرع دون تعلم مسبق ولا ممارسة تقدمت ولا مطالعة كتب، فلن يشك في رجحان عقله وثقوب فهمه لأول بديهة ، ساس تلك الأمة الجافية حتى كان أحب إلى أفرادها من آبائهم وأبنائهم وفدوه بأنفسهم وذلك محتاج بعد عون الله وتوفيقه إلى أكمل عقل وأرجحه.
●فصاحة اللسان وبلاغة القول
كان عليه السلام من ذلك بالمحل الأفضل والموضع الذي لا يجهل سلاسة طبع ونصاعة لفظ وجزالة قول وصحة معان وقلة تكلف.
أوتي جوامع الكلم وخص ببدائع الحكم. وعلم ألسنة العرب يخاطب كل قبيلة بلغتها ليس كلامه مع قريش والأنصار وأهل الحجاز ونجد ككلامه مع ذي الشاعر الهمداني وطهفة النهدي وغيرهما من قحطان وقد كتب الكثير من المؤرخين في المأثور من كلامه الجامع ومنه ما لا يوازي فصاحة ولا يباري بلاغة. هذا التأييد الإلهي الذي مدده الوحي و الحلم و الاحتمال و العفو عند المقدرة و الصبر على المكاره صفات أدبه الله عز وجل بها.
الجود والكرم
كان عليه السلام في هذا الخلق لا يبارى بهذا وصفه كل من عرفه.
روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيُدارسه القرآن، فالرسول الله صلى الله عليه وسلم أجودُ بالخير من الريح المرسَلة.
وعن أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ ((لو كان لي مثل أحدٍ ذهبًا ما يسرُّني أن لا يمرَّ عليَّ ثلاثٌ، وعندي منه شيءٌ إلَّا شيءٌ أرصدُهُ لدينٍ)) متفق عليه.
الشجاعة والنجدة
فقد كان عليه السلام منها بالمكان الذي لا يُجهل ، حضر المواقف الصعبة وفرّ من حوله الكماة وهو ثابت مقدم لا يتزحزح، وقف يوم حنين والناس تفر وهو ثابت يقول (أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب).
وروي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : كنا إذا حمي الوطيس إتقينا برسول الله ﷺ فما يكون أحد أقرب من العدو منه . وروي عن مالك والبخاري (ولقدْ فَزِعَ أهلُ المدينةِ ذاتَ ليلةٍ فانطلقَ الناسُ قِبَلَ الصَّوْتِ فَاسْتَقْبَلهُمُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قد سَبَقَ الناسَ إلى الصَّوْتِ وهوَ يقولُ لَنْ تُرَاعُوا لَنْ تُرَاعُوا وهوَ على فَرَسٍ لِأَبي طلحةَ عُرْيٍ ما عليهِ سَرْجٌ في عُنُقِهِ سَيْفٌ فقال لقدْ وجَدْتُهُ بَحْرًا أوْ إنَّهُ لَبَحْرٌ).
الحياء والإغضاء
كان رسول الله ﷺ أشد الناس حياء وأكثرهم عن العورات إغضاء ،فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشدَّ حياءً مِن العذراء في خدرها ) ) . وكان إذا كره شيئًا عرفه الصَّحابة في وجهه.
وكان إذا بلغه شيء عن أحد الناس لم يسميه بل يقول ما بال أقوام يفعلون كذا أو ما بال فلان يفعل كذا.
حسن العشرة والأدب وبسط الخلق مع أصناف الخلق
من جالسه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه ومن سأله حاجة لا يرده إلا بها أو بميسور من القول.
وقد وسع الناس بسطه وخلقه فصاروا عنده بالحق سواء وكان دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ ولا فحاش ولا عياب يتغافل عما لا يشتهي ولا يؤنس منه وكان يجيب من دعاه ويقبل الهدية ويكافىء عنها.
وكان يمازح أصحابه ويخالطهم ويحاروهم ويجيب دعوة الحر والعبد والأمة والمسكين ويعود المرضى ويبدأ من لقيه بالسلام وقد روي عن أنس قال: خدمتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عشرَ سنينَ ، فما قال لي أُفٍّ قطُّ ، وما قال لي لشيٍء صنعتُه : لِمَ صنعتَه ، ولا لشيٍء تركتُه : لِمَ تركتَه.
من صفاته عليه السلام الشفقة والرأفة والرحمة وصفه الله عز وجل بكتابه (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم)
وروي عنه عليه السلام أنه قال (لا يبلغني أحد منكم عن أحد من أصحابي شيئاً فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر).
الوفاء وحسن العهد وصلة الرحم
فقد أوصى عليه السلام في صلة الرحم بكثير من الأحاديث
منها (عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: رسول الله ﷺ «من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه»)
وقالت عائشة أم المؤمنين جاءت عجوزٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وهو عندي فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : من أنتِ ؟ قالت : أنا جثَّامةُ المُزنيَّةُ فقال : بل أنتِ حسَّانةُ المُزنيَّةُ كيف أنتُم ؟ كيف حالكم ؟ كيف كنتُم بعدنا ؟ قالت بخيرٍ بأبي أنت وأمِّي يا رسولَ اللهِ فلما خرجتُ قلتُ : يا رسولَ اللهِ تُقبِلْ على هذه العجوزِ هذا الإقبالَ فقال : إنها كانت تأتينا زمنَ خديجةَ وإنَّ حسنَ العهدِ من الإيمانِ.
التواضع
كان عليه السلام أشد الناس تواضعاً وأقلهم كِبراً ، عن أبي إمامة الباهلي خرج علينا رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وآله وسلم مُتَوَكِّيًا علَى عَصًا ؛ فَقُمْنا إليهِ فقال : لا تَقوموا كما تَقومُ الأعاجِمُ يُعَظِّمُ بَعضُهُم بَعضًا. وكان يجلس من الفقراء والمساكين ويدعو لخبز الشعير.
حجَّ عام الحجِّ على رَحْلٍ رثٍّ، عليه قطيفةٌ لا تساوي أربعة دراهم، وكان يخاف من الرِّياء والسُّمعة؛ فكان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يدعو ويقول: ((اللهم اجعله حجًّا لا رياء فيه ولا سُمْعَة))،
العدل والأمانة والعفة وصدق اللهجة
كان عليه السلام أصدق الناس وأعفهم وكان يسمى بالأمين قبل البعثة وصدق لهجته اعترف بها كل ما حاوره أعداء قبل الأصدقاء وروي أن أبا جهل قال له: نحن لا نكذبك إنما نكذب ما جئت به وفي ذلك في القرآن (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ).
وقصة هرقل عظيم الروم مع أبا سفيان وحوراه عن صفاته وأخلاقه وذلك قبل إسلام أبا سفيان توضّح الكثير من أمانته وعدله وصدقه عليه السلام.
وفي الجملة كان عليه السلام محلى بصفات الكمال أدبه ربه فأحسن تأديبه وقال عنه عز وجل (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ).
إنتهت هذه الفقرة وكما أسلفنا إنما هذه بشكل عام ...صلى الله عليه وسلم.