لم تتقبل بطون هوازن نصر مكة ورأت من نفسها عزاً وأنفة بمقابلة النصر بالخضوع فاجتمعت إلى مالك بن عوف النضري ودخل معها بطون ثقيف وقرروا حرب المسلمين.
فلما سمع بهم رسول الله ﷺ خرج إليهم ومعه اثنا عشر ألفاً وهو أكثر جند خرج به فلما وصلوا وادي حنين وانحدروا فيه كانت هوازن وثقيف قد أعدوا كميناً في شعابه فشدّوا على المسلمين قبل أن يهيىء هؤلاء صفوفهم فانشمر الناس راجعين لا يلوي أحد على أحد فانحاز عليه السلام جهة اليمين وهو يقول: هلموا إليّ أيها الناس أنا رسول الله أنا محمد بن عبد الله ولم يبق معه إلا عدد قليل.
فقال للعباس عمه وكان جهير الصوت: اصرخ يا معشر الأنصار يا معشر أصحاب الشجرة، فأجابوا لبيك لبيك ، فيذهب الرجل ليثني بعيره فلا يقدر عليه فيأخذ درعه فيقذفها في عنقه ويأخذ سيفه وترسه ويقتحم عن بعيره ويخلي سبيله فيؤم الصوت حتى إذا اجتمع إليه مائة استقبلوا الناس واقتتلوا ثم تلاحق بهم من كانوا تركوا الموقعة وقد كانت حدة العدو قد انكسرت فلم تكن إلا ساعات قلائل حتى هزموا عدوهم هزيمة منكرة وحاز المسلمون ما كان مع العدو من مال وسلاح وظعن وقد أنزل الله عز وجل في هذه الموقعة الآية الكريمة:
(لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ○ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) التوبة.
أمر الطائف :
تعتبر امتداد لمعركة حنين حيث أن ثقيف سكان الطائف قد ساعدوا هوازن كما أسلفنا فسار إليهم النبي عليه السلام فتحصنوا بحصنها فحاصرهم مدة طويلة فلم ينال منهم فأشار عليه الصحابي الجليل سلمان الفارسي بضربهم بالمنجنيق ثم عاد منها بدون أن تُفتح.
هذا وقد سار النبي عليه السلام بعد الطائف حتى نزل الجعرانة فأتاه وفد من هوازن مسلمين وطلبوا منه أن يمنّ على من كان بيد المسلمين من أهلهم وعشيرتهم.
وقد قال لهم عليه السلام بعد حوار بينهم أن يقولوا له بعد أن يصلي الظهر: (إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين وبالمسلمين إلى رسول الله في أبنائنا ونسائنا فسأعطيكم عند ذلك وأسأل لكم)
فلمّا صلى الظهر قاموا فتكلموا بمثل ما قال لهم فقال عليه السلام : أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم.
فقال المهاجرون والأنصار: ما كان لنا فهو لرسول الله ﷺ وبذلك ردّ عليه السلام إلى هوازن أبنائهم ونسائهم ثم وفد عليه بعد ذلك مالك بن عوف فردّ عليه السلام إليه أهله وماله وأعطاه فوق ذلك مائة من الإبل فحسن إسلامه.
ثم أهل معتمراً وانصرف راجعاً إلى المدينة بعد أن ولى على مكة عتاب بن أسيد.