قيل قد سمّه اليهود في أرُز، أو في حريرة وهي الحسو فأكل هو والحارث بن كلدة فكفّ الحارث وقال لأبي بكر:أكلنا طعاماً مسموماً سُمّ سنة فماتا بعد سنة.وقيل إنه اغتسل وكان يوماً بارداً ، فحُمّ خمسة عشر يوماً لا يخرج إلى صلاة، فأمر عمر أن يصلي بالناس.
وقال له الناس :ألا ندعو الطبيب؟ قال قد أتاني وقال لي أنا فاعل ما أريد، فعلموا مراده وسكتوا عنه.
وأوصى عمر (سبق وأسلفنا ذكره في مقال استخلاف أبو بكر الصديق عمرَ بن الخطاب ) وقال: إني لأرجوا أن أموت يومي هذا فإذا متُّ فلا تُمسينّ حتى تندب الناس مع المثنى، ولا تشغلنكم مصيبة عن أمر دينكم ووصية ربكم، فقد رأيتني متوفّى رسول الله ﷺ ، وما صنعت وما أُصيب الخلق بمثله..
وأوصى أن تغسله زوجته أسماء بنت عُميس وابنه عبد الرحمن وأن يُكفّن في ثوبيه ويُشترى معهما ثوب ثالث ، وقال الحيّ أحوج إلى الجديد من الميت، إنما هو للمُهلة والصديد.
وكان آخر ما تكلم به (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) سورة يوسف
وحضرته أم المؤمنين عائشة وهو يعالج الموت فتمثلت :
لعمرُك ما يغني الثراءُ عن الفتى ....إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدرُ.
فنظر إليها كالغضبان ثم قال: ليس كذلك ولكن
(وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ۖ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ) سورة ق.
إني قد نحلتك حائط كذا وفي نفسي منه شيء فرُديه على الميراث، فردته، وذكر لها اخوتها وخواتها. وقال لها : أما إنّا منذ ولينا أمر المسلمين لم نأكل لهم ديناراً ولا درهماً، ولكنّا قد أكلنا من جريش طعامهم ولبسنا من خشن ثيابهم وليس عندنا من فيء المسلمين إلا هذا العبد وهذا البعير وهذه القطيفة، فإذا متُّ فابعثي بالجميع إلى عمر. فلمّا مات بعثته إلى عمر، فلمّا رآه بكى حتى سالت دموعه إلى الأرض وجعل يقول: رحم الله أبا بكر! لقد أتعب من بعده، وجعل يكرر ذلك.
ثم مات رضي الله عنه لثمان ليالٍ بقين من جُمادى الآخرة ليلة الثلاثاء وهو ابن 63 سنة وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشر ليال .
ودُفن ليلاً وصلّى عليه عمر بن الخطاب في مسجد رسول الله ﷺ وكبّر عليه أربعاً وحُمل على السرير الذي حُمل عليه رسول الله ﷺ ، ودخل قبره ابنه عبد الرحمن وعمر وعثمان وطلحة ،
وجعل رأسه عند كتفي النبي عليه السلام ، وألصقوا لحده بلحد رسول الله ﷺ وجُعل قبره مثل قبر رسول الله ﷺ مسطحاً وأقامت عائشة عليه النوح فنهاهن عن البكاء عمر فأبين، فقال لهشام بن الوليد: ادخل فأخرج إليّ ابنه أبي قُحافة فأخرج إليه أم فروة ابنه ابي قُحافة فعلاها بالدرّة ضربات، فتفرّق النّوح حين سمعن ذلك. ..رضي الله عنه وأرضاه وجزاه عن المسلمين خيراً وحشرنا بصحبة رسول الله ﷺ وصحبته وباقي الصحب الكِرام رضوان الله عليهم أجمعين.