بعد أن علمت قريش بما حصل من بيعة العقبة كما اوضحنا بالمقال السابق اجتمعت في دار الندوة يتشاورون أمره فأخذوا أخيراً برأي أبو جهل والذي يقضي بتجميع فتيان من أغلب بطون القبائل وقتل رسول الله ﷺ وبذلك يضيع دمه بين القبائل فلا يقوى بنو عبد مناف على طلب دمه .
علم النبي بالأمر وتوجه إلى سيدنا أبو بكر الصديق وأخبره أن الله عز وجل أذن له بالهجرة فسأله أبو بكر الصحبة فأجابه النبي إليها.
ثم هيأ ما يلزم لهذا السفر راحلتين ودليلاً خبيراً وعمدوا أن يكون السير في الليلة التي اتفقت بها قريش على قتله.
وقد أمر النبي ابن عمه سيدنا علي بن أبي طالب أن ينام مكانه لئلا يرتاب أحد في وجوده ببيته وأمره أن يبقى بمكة حتى يؤدي عنه ودائعه فقد كان النبي مستأمن على حوائج للناس .
فخرج النبي إلى بيت أبي بكر ومن ثم إلى غار بجبل ثور بأسفل مكة فدخلاه وكان عبد الله بن أبي بكر يتسمع لهم الأخبار ويأتيهما بها إذا أمسى وأمر مولاه عامر بن فهيرة أن يرعى غنمه نهاره ثم يريحها عليهما إذا أمسى في الغار ليعفي أثر عبد الله بن أبي بكر وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست.
فلما أصبحت فتيان قريش تنتظر خروج النبي وإذا بهم يحرسون علي بن أبي طالب فهاجت قريش وأرسلت الرسل في طلبه في كل الجهات وجعلوا لمن يأتيهم به 100 ناقة حياً أو ميتاً فعادت رسلهم بالخيبة
أقام رسول الله ﷺ وصاحبه بالغار ثلاثة أيام حتى علما أن الطلب قد سكن فجائهم الدليل حسبما اتفقا بالراحلتين فركباهما وأردف سيدنا أبو بكر خلفه عامر بن فهيرة ليخدمهما بالطريق والدليل أسمه عبد الله بن أريقط
مسار الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة
وقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا خَرَجَ بِهِمَا دَلِيلُهُمَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَرْقَطَ، سَلَكَ بِهِمَا أَسْفَلَ مَكَّةَ، ثُمَّ مَضَى بِهِمَا عَلَى السَّاحِلِ، حَتَّى عَارَضَ الطَّرِيقَ أَسْفَلَ مِنْ عُسْفَانَ، ثُمَّ سَلَكَ بِهِمَا عَلَى أَسْفَلِ أَمَجَ ثُمَّ اسْتَجَازَ بِهِمَا، حَتَّى عَارَضَ بِهِمَا الطَّرِيقَ، بَعْدَ أَنْ أَجَازَ قُدَيْدًا، ثُمَّ أَجَازَ بِهِمَا مِنْ مَكَانِهِ ذَلِكَ، فَسَلَكَ بِهِمَا الْخَرَّارَ، ثُمَّ سَلَكَ بِهِمَا ثَنِيَّةَ الْمُرَّةِ، ثُمَّ سَلَكَ بِهِمَا لِقْفًا وَيُقَالُ: لَفْتاً
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ أَجَازَ بِهِمَا مَدْلَجَةَ لِقْفٍ، ثُمَّ اسْتَبْطَنَ بِهِمَا مَدْلَجَةَ مَحَاجَّ وَيُقَالُ: مِجَاجٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- ثُمَّ سَلَكَ بِهِمَا مَرْجِحَ مَحَاجَّ، ثُمَّ تَبَطَّنَ بِهِمَا مَرْجِحَ مِنْ ذِي الْغَضْوَيْنِ-
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: الْعُضْوَيْنِ ثُمَّ بَطْنَ ذِي كَشْرٍ ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِمَا عَلَى الْجَدَاجِدِ ، ثُمَّ عَلَى الأَجْرَدِ ، ثُمَّ سَلَكَ بِهِمَا ذَا سَلَمٍ ، مِنْ بَطْنِ أَعْدَاءِ مَدْلِجَةٍ تِعْهِن ، ثُمَّ عَلَى الْعَبَابِيدِ
. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: الْعَبَابِيبُ، وَيُقَالُ: الْعِثْيَانَةَ. يُرِيدُ: الْعَبَابِيبَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ أَجَازَ بِهِمَا الْفَاجَّةَ ، وَيُقَالُ: الْقَاحَّةُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ثُمَّ هَبَطَ بِهِمَا الْعَرْجَ، وَقَدْ أَبْطَأَ عَلَيْهِمَا بَعْضُ ظَهْرِهِمْ، فَحَمَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ، يُقَالُ لَهُ: أَوْسُ بْنُ حُجْرٍ، عَلَى جَمَلٍ لَهُ- يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الرَّدَّاءِ- إلَى الْمَدِينَةِ، وَبَعَثَ مَعَهُ غُلاَمًا له، يقال له: مسعود بن هنيدة، ثم خَرَجَ بِهِمَا دَلِيلُهُمَا مِنَ الْعَرْجِ، فَسَلَكَ بِهِمَا ثَنِيَّةَ الْعَائِرِ، عَنْ يَمِينِ رَكُوبَةٍ- وَيُقَالُ: ثَنِيَّةُ الْغَائِرِ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- حَتَّى هَبَطَ بِهِمَا بَطْنَ رِئْمٍ، ثُمَّ قَدِمَ بِهِمَا قُبَاءَ عَلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، لاِثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةٍ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، حِينَ اشْتَدَّ الضَّحَاءُ، وَكَادَتِ الشَّمْسُ تَعْتَدِلُ
وهنا انتهى القسم الأول من حياة رسول الله ﷺ
نزلت بها الكثير من التشريعات وعدد السور التي نزلت بهذه الفترة 93 سورة من القرآن الكريم وكانت هذه الفترة أثنتي عشر سنة وخمسة أشهر ونصف تقريباً.