نستعرض ها هنا ما مر من أحداث قبيل وأثناء وقعة نهاوند العظيمة وما مر من أحداث بعد انتصار المسلمون على الفرس وكذلك الألوية التي انتشرت تفتح بلاد فارس كلها.
لوحة لقلعة نهاوند، آخر معاقل الإمبراطورية الساسانية |
بدايةً
ما هي الشكوى التي تمت على سيدنا سعد بن أبي وقاص وكيف تعامل معها سيدنا عمر رضي الله عنه؟ حيث ثار بسيدنا سعد قومٌ وألبوا عليه وسعوا به ، ولم يشغلهم ما نزل بالناس من اجتماع الفرس في نهاوند بعدد ضخم جداً ، وكان ممن تحرك بأمره الجراحُ بن سنان الأسدي في نفر.
فقال سيدنا عمر: والله ما يمنعني ما نزل بكم من النظر فيما لديكم، وبعث سيدنا محمد بن مسلمة والناس في الاستعداد للفرس ، وكان سيدنا محمد بن مسلمة صاحب العمال يقتص آثار من شكا في زمن سيدنا عمر.
فطاف بسعدٍ على أهل الكوفة يسأل عنه فما سأل عنه جماعةً إلا أثنوا عليه خيرًا سوى من مالا الجراح الأسدي فإنهم سكتوا ولم يقولوا سوءًا ولا يسوغ لهم ويتعمدون ترك الثناء حتى انتهى إلى بني عبس فسألهم فقال أسامة بن قتادة: اللهم إنه لا يقسم بالسوية ولا يعدل في القضية ولا يغزو في السرية.
فقال سعد: اللهم إن كان قالها رياءً وكذبًا وسمعة فأعم بصره وأكثر عياله وعرضه لمضلات الفتن. فعمي واجتمع عنده عشر بنات وكان يسمع بالمرأة فيأتيها حتى يحبسها فإذا عثر عليه قال: دعوة سعد الرجل المبارك. ثم دعا سعد على أولئك النفر فقال: اللهم إن كانوا خرجوا أشرًا وبطرًا ورياء فاجهد بلادهم. فجهدوا وقطع الجراح بالسيوف يوم بادر الحسن بن علي رضي الله عنه ليغتاله بساباط وشدخ قبيصة بالحجارة وقتل أربد بالوجء ونعال السيوف.وقال سعد: إني أول رجلٍ أهراق دمًا من المشركين ولقد جمع لي رسول الله ـ إن شاء الله ـ أبويه وما جمعهما لأحدٍ قبلي ولقد رأيتني خمس الإسلام وبنو أسد تزعم أني لا أحسن أصلي وأن الصيد يلهيني.
وخرج محمد بن مسلمة بالقوم و بسعد معه إلى المدينة فقدموا على عمر فأخبروه الخبر فقال: كيف تصلي يا سعد قال: أطيل الأوليين وأحذف الأخريين.
فقال: هكذا الظن بك يا أبا إسحاق ولولا الاحتياط لكان سبيلهم بينًا. وقال: من خليفتك يا سعد على الكوفة فقال: عبد الله بن عبد الله بن عتبان. فأقره. فكان سبب نهاوند وبعثها زمن سعد.
ثانياً
وأما الأعاجم فتكاتبت مع يزدجرد فاجتمعوا بنهاوند على الفيرزان في خمسين ألفًا ومائة ألف مقاتل وكان سيدنا سعد كتب إلى سيدنا عمر بالخبر ثم شافهه به لما قدم عليه وقال له: إن أهل الكوفة يستأذنونك في الانسياح وأن يبدؤوهم بالشدة ليكون أهيب لهم على عدوهم.
التجهيز لنهاوند
فجمع سيدنا عمر الناس واستشارهم وقال لهم: هذا يوم له ما بعده وقد هممت أن أسير فيمن قبلي ومن قدرت عليه فأنزل منزلًا وسطًا بين هذين المصرين ثم أستنفرهم وأكون لهم ردءًا حتى يفتح الله عليهم ويقضي ما أحب فإن فتح الله عليهم صبيتهم في بلدانهم.
فقال طلحة بن عبيد الله: يا أمير المؤمنين قد أحكمتك الأمور وعجمتك البلابل وأحنكتك التجارب وأنت وشأنك ورأيك لا ننبو في يديك ولا نكل عليك إليه هذا الأمر فمرنا نطع وادعنا نجب واحملنا نركب وقدنا ننقد فإنك ولي هذا الأمر وقد بلوت وجربت واحتربت فلم ينكشف شيء من عواقب قضاء الله لك إلا عن خيارهم. ثم جلس.
فعاد عمر فقام عثمان فقال: أرى يا أمير المؤمنين أن تكتب إلى أهل الشام فيسيروا من شامهم وإلى أهل اليمن فيسيروا من يمنهم ثم تسير أنت بأهل الحرمين إلى الكوفة والبصرة فتلقى جمع المشركين بجمع المسلمين فإنك إذا سرت قل عندك ما قد تكاثر من عدد القوم وكنت أعز عزًا وأكثر. يا أمير المؤمنين إنك لا تستبقي بعد نفسك من العرب باقية ولا تمتع من الدنيا بعزيز ولا تلوذ منها بحريز. إن هذا يوم له ما بعده من الأيام فاشهده برأيك وأعوانك ولا تغب عنه. وجلس.
فعاد عمر فقام إليه علي بن أبي طالب فقال: أما بعد يا أمير المؤمنين فإنك إن أشخصت أهل الشام من شامهم سارت الروم إلى ذراريهم وإن أشخصت أهل اليمن من يمنهم سارت الحبشة إلى ذراريهم وإنك إن شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها حتى يكون ما تدع وراءك أهم إليك مما بين يديك من العورات والغيالات أقرر هؤلاء في أمصارهم واكتب إلى أهل البصرة فليتفرقوا ثلاث فرق: فرقة في حرمهم وذراريهم وفرقة في أهل عهدهم حتى لا ينتقضوا ولتسر فرقةٌ إلى إخوانهم بالكوفة مددًا لهم إن الأعاجم إن ينظروا إليك غدًا قالوا: هذا أمير المؤمنين أمير العرب وأصلها فكان ذلك أشد لكلبهم عليك. وأما ما ذكرت من مسير القوم فإن الله هو أكره لمسيرهم منك وهو أقدر على تغيير ما يكره وأما فقال عمر: هذا هو الرأي كنت أحب أن أتابع عليه فأشيروا علي برجل أوليه ذلك الثغر. وقيل: إن طلحة وعثمان وغيرهما أشاروا عليه بالمقام. والله أعلم.
فلما قال عمر: أشيروا علي برجل أوليه ذلك الثغر وليكن عراقيًا قالوا: أنت أعلم بجندك وقد وفدوا عليك ورأيتهم وكلمتهم. فقال: والله لأولين أمرهم رجلًا يكون أول الأسنة إذا لقيها غدًا. فقيل: من هو فقال: هو النعمان بن مقرن المزني. فقالوا: هو لها.
وكان النعمان يومئذ معه جمعٌ من أهل الكوفة قد اقتحموا جند سابور والسوس. فكتب إليه عمر يأمره بالمسير إلى ماه لتجتمع الجيوش عليه فإذا اجتمعوا إليه سار بهم إلى الفيرزان ومن معه. وقيل بل كان النعمان بكسكر. فكتب إلى عمر يسأله أن يعزله ويبعثه إلى جيش من المسلمين. فكتب إليه عمر يأمره بنهاوند فسار.
فكتب عمر إلى عبد الله بن عبد الله بن عتبان ليستنفر الناس مع النعمان كذا وكاذ ويجتمعوا عليه بماه. فندب الناس فكان أسرعهم إلى ذلك الروادف ليبلوا في الدين وليدركوا حظًا.
فخرج الناس منها وعليهم حذيفة بن اليمان ومعه نعيم بن مقرن حتى قدموا على النعمان وتقدم عمر إلى الجند الذين كانوا بالأهواز ليشغلوا فارسًا عن المسلمين وعليهم المقترب الأسود بن ربيعة وحرملة بن مريطه ووزر بن كليب فأقاموا بتخوم أصبهان وفارس وقطعوا أمداد فارس عن أهل نهاوند واجتمع الناس على النعمان وفيهم حذيفة بن اليمان وابن عمر وجرير بن عبد الله البجلي والمغيرة ابن شعبة وغيرهم.
تفاصيل ومجريات معركة فتح الفتوح نهاوند
والتي كانت فاصلة بحق ، أما التفاصيل فسنتوسع بها للأهمية ، فبعد أن انتهى اجتماع سيدنا عمر بالناس ،
قال لهم: أشيروا علي برجل أوليه ذلك الثغر وليكن عراقيًا قالوا: أنت أعلم بجندك وقد وفدوا عليك ورأيتهم وكلمتهم. فقال: والله لأولين أمرهم رجلًا يكون أول الأسنة إذا لقيها غدًا. فقيل: من هو فقال: هو النعمان بن مقرن المزني. فقالوا: هو لها.
واجتمع بنهاوند ١٥٠ ألف من الجموع الفارسية وتحصنوا بحصون قوية لا يخرجون إلا متى شاؤوا ،
فكتب سيدنا عمر إلى عبد الله بن عبد الله بن عتبان ليستنفر الناس مع النعمان كذا وكاذ ويجتمعوا عليه بماه. فندب الناس فكان أسرعهم إلى ذلك الروادف ليبلوا في الدين وليدركوا حظًا.
فخرج الناس منها وعليهم حذيفة بن اليمان ومعه نعيم بن مقرن حتى قدموا على النعمان وتقدم عمر إلى الجند الذين كانوا بالأهواز ليشغلوا فارسًا عن المسلمين وعليهم المقترب الأسود بن ربيعة وحرملة بن مريطه ووزر بن كليب فأقاموا بتخوم أصبهان وفارس وقطعوا أمداد فارس عن أهل نهاوند واجتمع الناس على النعمان وفيهم حذيفة بن اليمان وابن عمر وجرير بن عبد الله البجلي والمغيرة ابن شعبة وغيرهم فأرسل النعمان طليحة بن خويلد وعمرو بن معد يكرب وعمرو ابن ثني وهو ابن أبي سلمى ليأتوه بخبرهم. وخرجوا وساروا يومًا إلى الليل فرجع إليه عمرو بن ثني فقالوا: ما رجعك فقال: لم أكن في أرض العجم وقتلت أرضٌ جاهلها وقتل أرضًا عالمها. ومضى طليحة وعمرو ابن معد يكرب. فلما كان آخر الليل رجع عمرو فقالوا: ما رجعك قال: سرنا يومًا وليلةً ولم نر شيئًا وخفت أن يؤخذ علينا الطريق فرجعت. ومضى طليحة ولم يحفل بهما حتى انتهى إلى نهاوند. وبين موضع المسلمين الذي هم به ونهاوند بضعة وعشرون فرسخًا. فقال الناس: ارتد طليحة الثانية. فعلم كلام القوم ورجع.فلما رأوه كبروا. فقال: ما شأنكم فأعلموه بالذي خافوا عليه.فقال: والله لو لم يكن دين إلا العربي ما كنت لأجزر العجم الطماطم هذه العرب العاربة.
فعبىء النعمان جيشه وكانوا ٣٠ ألفاً ، وقد توافد إليهم كل من غاب عن #القادسية فكبّر النعمان وكبّر معه الناس
وأنشب النعمان القتال بعد حط الأثقال فاقتتلوا يوم الأربعاء ويوم الخميس والحرب بينهم سجالٌ وإنهم انجحروا في خنادقهم يوم الجمعة وحصرهم المسلمون وأقاموا عليهم ما شاء الله والفرس بالخيار لا يخرجون إلا إذا أرادوا الخروج فخاف المسلمون أن يطول أمرهم حتى إذا كان ذات يوم في جمعة من الجمع تجمع أهل الرأي من المسلمين وقالوا: نراهم علينا بالخيار.
فبعث إلى من بقي من أهل النجدات والرأي فأحضرهم فتكلم النعمان فقال: (قد ترون المشركين واعتصامهم بخنادقهم ومدنهم وأنهم لا يخرجون إلينا إلا إذا شاؤوا ولا يقدر المسلمون على إخراجهم وقد ترون الذي فيه المسلمون من)
فتكلم عمرو بن ثني وكان أكبر الناس وكانوا يتكلمون على الأسنان فقال: التحصن عليهم أشد من المطاولة عليكم فدعهم وقاتل من أتاك منهم. فردوا عليه رأيه.
وتكلم عمرو بن معد يكرب فقال: ناهدهم وكابرهم ولا تخفهم فردوا جميعًا عليه رأيه وقالوا: إنما يناطح بنا الجدران وهي أعوان علينا. وقال طليحة: أرى أن نبعث خيلًا لينشبوا القتال فإذا اختلطوا بهم رجعوا إلينا استطرادًا فإنا لم نستطرد لهم في طول ما قاتلناهم فإذا رأوا ذلك طمعوا وخرجوا فقاتلناهم حتى يقضي الله فيهم وفينا ما أحب. فأمر النعمان القعقاع بن عمرو وكان على المجردة فأنشب القتال فأخرجهم من خنادقهم كأنهم جبال حديد قد تواثقوا أن لا يفروا وقد قرن بعضهم بعضًا كل سبعة في قران وألقوا حسك الحديد خلفهم لئلا ينهزموا.
فاقتتلوا قتالاً شديداً حتى انقطع الفرس عن حصنهم شيئاً قليلاً وكان يوم الجمعة.
فقال النعمان للناس لا تباشروهم القتال حتى آذن لكم وكان يتحرى أحب الساعات كانت إلى رسول الله ـصلى الله عليه وسلم ـ أن يلقى العدو فيها وذلك عند الزوال فلما كان قريبًا من تلك الساعة ركب فرسه وسار في الناس ووقف على كل راية يذكرهم ويحرضهم ويمنيهم الظفر وقال لم: إني مكبر ثلاثًا فإذا كبرت الثالثة فإني حامل فاحملوا وإن قتلت فالأمير بعدي حذيفة فإن قتل ففلان حتى عد سبعة آخرهم المغيرة
ثم قال: اللهم أعزز دينك وانصر عبادك واجعل النعمان أول شهيد اليوم على إعزاز دينك ونصر عبادك. وقيل: بل قال: اللهم إني أسألك أن تقر عيني اليوم بفتح يكون فيه عز الإسلام واقبضني شهيدًا.
فاقتتلوا قتالًا شديدًا لم يسمع السامعون بوقعة كانت أشد منها وما كان يسمع إلا وقع الحديد وصبر لهم المسلمون صبرًا عظيمًا وانهزم الأعاجم وقتل منهم ما بين الزوال والإعتام ما طبق أرض المعركة دمًا يزلق الناس والدواب. فلما أقر الله عين النعمان بالفتح استجاب له فقتل شهيدًا زلق به فرسه فصرع.وقيل: بل رمي بسهم في خاصرته فقتله فسجاه أخوه نعيم بثوب وأخذ الراية قبل أن تقع وناولها حذيفة فأخذها وتقدم إلى موضع النعمان وترك نعيمًا مكانه. وقال لهم المغيرة: اكتموا مصاب أميركم حتى ننتظر ما يصنع الله فينا وفيهم لئلا يهن الناس.فاقتتلوا.
فلما أظلم الليل عليهم انهزم المشركون وذهبوا ولزمهم المسلمون وعمي عليهم قصدهم فتركوه وأخذوا نحو اللهب الذي كانوا دونه بأسبيذهان فوقعوا فيه فكان الواحد منهم يقع فيقع عليه ستة بعضهم على بعضهم في قياد واحد فيقتلون جميعًا وجعل يعقرهم حسك الحديد فمات منهم في اللهب مائة ألف أو يزيدون سوى من قتل في المعركة.
وقيل: قتل في اللهب ثمانون ألفًا وفي المعركة ثلاثون ألفًا سوى من قتل في الطلب ولم يفلت إلا الشريد ونجا الفيرزان من بين الصرعى فهرب نحو همذان فاتبعه نعيم بن مقرن وقدم القعقاع قدامه فأدركه بثنية همذان وهي إذ ذاك مشحونة من بغال وحمير موقرة عسلًا فحبسه الدواب على أجله. فلما لم يجد طريقًا نزل عن دابته وصعد في الجبل فتبعه القعقاع راجلًا فأدركه فقتله المسلمون على الثنية وقالوا: إن لله جنودًا من عسل. واستاقوا العسل وما معه من الأحمال. وسميت الثنية ثنية العسل.ودخل المشركون همذان والمسلمون في آثارهم فنزلوا عليها وأخذوا ما حولها.
فلما رأى ذلك خسروشنوم استأمنهم ولما تم الظفر للمسلمين جعلوا يسألون عن أميرهم النعمان بن مقرن فقال لهم أخوه معقل: هذا أميركم قد أقر الله عينه بالفتح وختم له بالشهادة فاتبعوا حذيفة. ودخل المسلمون نهاوند يوم الوقعة بعد الهزيمة واحتووا ما فيها من الأمتعة وغيرها وما حولها من الأسلاب والأثاث.
وقد أُخبر سيدنا عمر بالفتح ومقتل سيدنا النعمان فبكى بكاءً شديداً عليه.
عقد الألوية تمهيداً لنسف ما تبقى للفرس
وبعد نهاية نهاوند وفتحها ، أذن سيدنا عمر بالانسياح في بلاد فارس كما أشار عليه سيدنا الأحنف بن قيس ، فعيّن رؤساء الجنود التي تذهب لافتتاح البلاد وأرسل الألوية إلى أصحابها وهم:
- ١_الأحنف بن قيس ووجهه إلى خراسان
- ٢_ مجاشع بن مسعود السلمي ووجهه إلى أزدشير حرة وسابور
- ٣_ عثمان بن أبي العاص الثقفي ووجهه إلى اصطخر
- ٤_ سارية بن زنيم الكناني ووجهه إلى فساودرا بجرد
- ٥_ سهيل بن عدي ووجهه إلى كرامان
- ٦_ عاصم بن عمرو ووجهه إلى سجستان
- ٧_ الحكم بن عمر التغليبي ووجهه إلى مكران واستعدت هذه الجيوش وبدأت بالمسير وذلك سنة ١٨ للهجرة
هذا وحينما وصل سبي نهاوند كان فيه غلام سيدنا المغيرة بن شعبة (أبو لؤلؤة ) وجعل لا يلقى صغيراً إلا مسح رأسه وبكى وقال له: (أكل عمرُ كبدي) !! وكان من نهاوند فأسرته الروم وأسره المسلمون من الروم فنُسب إلى حيث سُبي.